أكرم دومانلي
أُعيد تشكيل الموازين العالمية صبيحة يوم 11 سبتمبر / أيلول 2001. وكان مئات البشر قد لقوا مصرعهم في الهجوم الإرهابي الذي استهدف برجي مركز التجارة العالمية في مدينة نيويورك الأمريكية ليدفع فاتورة هذا الهجوم جميع المسلمين حول العالم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ربما شهدنا للمرة الأولى عالما مسلمًا يصرخ بأعلى صوته “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًا!”؛ إذ كان الأستاذ كولن يعارض قتل الناس، بغض النظر عن الدولة التي نُفذ بها هذا الهجوم الغادر. وكانت كلمات الرجل تحمل معانٍ عميقة بالنسبة لمن يعرفون الأسس الانضباطية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. غير أن مَن ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية لم يفهموا ذلك الموقف الإسلامي. بل إنهم لا يزالون لم يفهموه حتى يومنا هذا.[/box][/one_third]أصبحت لفظة “الإرهاب” مرتبطة بالإسلام وأُلصقت كلمة “الإرهابي” بجبهة كل مؤمن. وبطبيعة الحال فنحن هنا لانتحدث عن صورة تشكَّلت بين ليلة وضحاها؛ إذ كان هناك بعض الجماعات المتطرفة التي “تجاهد” تحت مسمى “الكفاح المسلح” منذ زمن طويل. وكانت الهجمات التي تنفذها تلك الجماعات المتطرفة ضد المدنيين الأبرياء تضر بالإسلام الذي هو دين الأمن والسلام. وكان الخطر عظيمًا بالنسبة للمسلمين. وللأسف، كانت هناك جماعات لا تنظر إلى القضايا من منظور واسع وكانت تظن أن مفهومها الضيق هو الإسلام بعينه حتى أنها لم تفهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بشكل صحيح واستباحت دماء الناس. بيد أن الإرهاب كان جريمة بحق الإنسانية وذنبًا كبيرًا بإقرار الدين…
نشرت صحيفة” واشنطن بوست” في اليوم التالي للهجوم الإرهابي على مركز التجارة العالمي رسالة عزاء تحمل توقيع الداعية التركي المعروف الأستاذ فتح الله كولن الذي كان يخاطب العالم أجمع من خلال ذلك النص التاريخي بقوله: “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًا كما لا يمكن للإرهابي أن يكون مسلمًا!”.
كان ذلك البيان غير عادي، لكن للأسف لم يكن العالم الإسلامي مستعدا لسماع تلك الصرخة. وتوقف لسان العديد من المسلمين عن النطق بشيئ ضد تنظيم القاعدة، حتى أن بعضهم لم يتورّع عن تقديم الدعم العلني للتنظيم. وكان هناك من يظن الوحشية جهادًا. بيد أن تلك الهجمات (11 سبتمبر) كانت تعتبر من جانب انتحارًا، ومن جانب آخر جريمة في حق أناس أبرياء. وذلك في حين أن الإسلام يرى أن من قتل نفسًا (بغير نفس أو فساد في الأرض) فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.
ربما شهدنا للمرة الأولى عالما مسلمًا يصرخ بأعلى صوته “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًا!”؛ إذ كان الأستاذ كولن يعارض قتل الناس، بغض النظر عن الدولة التي نُفذ بها هذا الهجوم الغادر. وكانت كلمات الرجل تحمل معانٍ عميقة بالنسبة لمن يعرفون الأسس الانضباطية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. غير أن مَن ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية لم يفهموا ذلك الموقف الإسلامي. بل إنهم لا يزالون لم يفهموه حتى يومنا هذا.
تحويل التحررية إلى ستار
كان البعض يظهرون بمظهر ديمقراطي، تماشيًا مع ما تقتضيه الظروف، وسرعان ما بدأوا يتخلّون عن هويتهم التحررية والإصلاحية ما إن بسطوا سيطرتهم على مواقع معينة بالدولة.
لقد خلعوا “معطف” الاتحاد الأوروبي أولًا، ثم مزّقوا سُتراتهم الليبرالية وتركوها تذهب أدراج الرياح الجديدة. حتى كلما عادت التوجُّهات المتطرفة التي كانت في البداية، للظهور مرة أخرى، بدأ الرأي العام في تركيا طرح موضوعات حول جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة، حتى أن البعض بدأ يتحدث عن علاقة تربط الحكومة التركية بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أسس مكاتب لحشد المقاتلين في قلب تركيا. إذ يقول البعض إن ثلاثة آلاف مقاتل انضموا من تركيا إلى صفوف ذلك التنظيم، فيما يرفع آخرون سقف هذا الرقم إلى خمسة آلاف.
لقد أصبحت تركيا قِبلة للجماعات الجهادية المتطرفة. فيما تحولت الأزمة السورية إلى دوامة جرّت تركيا إلى مركز الأموال السوداء وتجارة السلاح التي تعتمد عليها الأنشطة الإرهابية. وما الذي حدث حتى تتحول تركيا – بين عشية وضحاها – من “دولة نموذجية” بديمقراطيتها وهويتها الإسلامية على مستوى العالم إلى “وكر” لإيواء الجماعات المتطرفة ؟ ومن المسؤول عن هذا المشهد المؤلم؟
يجب أن ننظر للأحداث المؤسفة التي شهدتها تركيا الأسبوع الماضي من وجهتين مختلفتين. فمن ناحية، نجد الموقف الصامد للأستاذ فتح الله كولن الذي يصب لعناته على الإرهاب وأنشطته من وقت ليس بقريب. ومن ناحية أخرى، تذبذُب الآخرين بين الديمقراطية وبين التوجهات المتطرفة. وكان كولن قد قال في حوار أجرته معه الصحفية نورية أكمان عام 2004 ما مفاده: “يعتبر أسامة بن لادن من بين أكثر الأشخاص الذين أكرههم في العالم، ذلك أنه لوّث الوجه المشرق للمسلمين”. بيد أن بعض السياسيين المنتمين إلى تيار “الإسلام السياسي” لا يستطيعون حتى تحمُّل سماع هذه الكلمات. ولا نستطيع أن نقول إنهم يستطيعون تحمُّل سماع هذه الكلمات اليوم أيضًا.
يسعون لاتهام جماعة كبيرة لها مكانتها المحترمة وشعبيتها، أي جماعة الخدمة، بأنها “تنظيم مسلح” من خلال تنظيم “تحشية”، فيا له من خذلان مخيف وبهتان مخز! وتراهم يحاولون إلصاق تهمة “تشكيل تنظيم إرهابي” بالأستاذ كولن ومحبيه دون الاستناد إلى أية حجة قانونية أو دليل ملموس فهؤلاء إما أنهم لايعرفون ما هو الإرهاب، أو أنهم يحاولون نصْب شراكهم للانتقام من الآخرين في سبيل التستر على نزعاتهم وعلاقاتهم الإرهابية المشبوهة. لا يمكن لأناس يحاولون إلصاق تهمة الإرهاب بأشخاص مسالمين وديمقراطيين، دون أن توجد عناصر “الشدة” و”العنف” و”السلاح”، لا يمكنهم التستر على الحقائق التاريخية، ولا أن يجعلوا الحق باطلًا أو الباطل حقًا.
وكأن هناك تنظيم إرهابي تحت مسمى “تحشية”، وكأن تلك المجمعة أعلن عنها بأنها تنظيم إرهابي من خلال ما نشرته صحيفة زمان ومجموعة سامان يولو الإعلامية، وشنّت الشرطة بناء على ما نشر حملة ضد تلك المجموعة وتعرضوا بذلك لظلم والسبب فيه جريدة زمان وقناة سامانيولو! فما هذه الأحداث سوى حلقة من الأكاذيب. فجميع الشواهد الملموسة تكذّب أولئك الذين يعتبرون المحاضرة المنشورة للأستاذ كولن عام 2009 على موقع herkul.org على شبكة الإنترنت، هو تاريخ بدء “المؤامرة”.
وفي الواقع، بدأ البحث عن تنظيم يحمل اسم “تحشية” مطلع عام 2008. وفي الوقت الذي كان من أصدر تعليمات هذه العملية هو مدير الأمن العام وقتها أوغوز كاغان كوكسال، الذي يواصل حياته السياسية كنائب بالبرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم. فأين دور جماعة الخدمة في هذه العملية؟ وعلى الرغم من عملية تغيير الوعي التي يديرونها بواسطة القيادات الأمنية، ألم يظهر تقرير جهاز المخابرات أن الجهات المختصة تتابع فعاليات ذلك التنظيم منذ سنوات؟ أوليس ما أقدموا عليه من شنّ عملية ضد مؤسستي زمان وسامان يولو الإعلاميتين يعبّر عن حالة العجز التي صاروا عليها؟
في الوقت الذي كشف فيه والي إسطنبول وقتها معمر جولر، وزير الداخلية المستقيل، خلال مؤتمر صحفي، عن عملية ضد تنظيم “تحشية”، كان يرسل رسائل إلى الولايات المتحدة كذلك. وكأنه أراد أن يقول: “انظروا، فنحن نكافح تنظيم القاعدة”. فهل خُدع المسؤولون الأمريكيون بهذه الخدعة الرخيصة؟ لا أعتقد ذلك. وللأسف، لم تقدم الحكومة التركية الكفاح اللازم ضد الجماعات الإرهابية التي أساءت استغلال الإسلام. حتى أن “الجماعات الإسلامية المتطرفة” كسبت نفوذًا لها في تركيا. فمن المسؤول عن هذه الوضعية؟
تسعى أبواق النظام التركي من الإعلاميين لإنقاذ أصدقائهم من “تحشية” من خلال كلام مفاده أن ذلك التنظيم “ليس له علاقة بتنظيم القاعدة”. بيد أنه عندما ظهر زعيم ذلك التنظيم على شاشات التليفزيون، اتضح كذب البعض من الذين قالوا إنهم يدرسون ذلك التنظيم منذ سنوات، لكن أحدًا لم يصادف سطرًا كتبه أي منهم حول هذا التنظيم. فزعيم التنظيم يقول على الهواء مباشرة “أحب أسامة بن لادن”.
إن موقف الأستاذ كولن ومؤسستي زمان وسامان يولو الإعلاميتين ضد الإرهاب معروف وواضح. وكان الأستاذ كولن قد عقد مؤتمرًا صحفيًا في أحد فنادق إسطنبول عام 1994، وقال وقتها: “لن يكون من الممكن أن نرجع عن الديمقراطية”. (29/6/1994)
وفي الوقت الذي قال فيه الأستاذ كولن هذا الكلام، كان بعض “الإسلاميين” الذين يسعون اليوم أن يظهروا أنفسهم بالمظهر الديمقراطي، يعتبرون هذه الكلمات الموجزة “كفرًا”. ونواجه اليوم مشاعر الانتقام التي يحملها أولئك الذين لم يستطيعوا استيعاب هذا الموقف الديمقراطي الذي ظهر به كولن قبل 20 عامًا.
لاتتعبوا أنفسكم، فهناك مَن انزوى بنفسه بعيدًا عن الإرهاب منذ عشرات السنين، ومعروف اليوم جيدًا موقفه إزاء هذه الفعاليات الإرهابية، بالضبط كما هو معروف موقف مَن لم يستطيعوا أن يضعوا مسافة بينهم وبين التنظيمات الإرهابية، بل إنهم لم يتجنبوا إمدادها بالسلاح والمقاتلين.
ألم يحن الوقت لأولئك الذين يسعون لفرض اتهامات غير معقولة على القضاء لإقرارها أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة بدلًا عن أن يحاولوا إلصاق الاتهامات والافتراءات الباطلة بأناس أبرياء.
تركيا تتحول إلى نسخة شرق أوسطية من كوريا الشمالية
23يعتبر النظام الحاكم في كوريا الشمالية من أكثر الأنظمة السياسية في العالم انغلاقًا. فالدولة منقطعة عن بقية العالم. وهناك ما يشبه عبادة الزعيم. فهو الوالد والحامي والأخ الأكبر وهو – في الواقع – كل شيء بالنسبة لشعبه. وكل كلمة يتفوّه بها تعتبر “حقيقة إعجازية” بالنسبة لأنصاره “المجندين”.
لايراجع أحد الزعيم كيم يونج أون في تصرفاته بل يخشى الجميع حتى أن يغضب. وتشير بعض الادعاءات إلى أنه غضب من زوج عمته فأمر بإعدامه عن طريق إلقائه حيًا ليكون فريسة للكلاب الجائعة.
إن هذا الزعيم الذي يقود كوريا الشمالية بصفته “القائد العظيم”، هو النائب العام والقاضي والإعلام، أي باختصار هو كل شيئ، ويعرف كل شيئ عن كل شيئ!
وُضع الزعيم كيم في موقف محرج مؤخرًا بسبب فيلم كوميدي أمريكي يحمل اسم “المقابلة” (The Interview) يحكي قصة صحفيين أمريكيين زارا كوريا الشمالية ليجريا حوارًا مع زعيمها. لكن جهاز الاستخبارات الأمريكي يتدخل في هذه العملية ليضع مخططًا لاغتيال الزعيم أون.
من يشاهد الملخص التعريفي (البرومو) للفيلم يتأكد أن أحداثه تسير بشكل مضحك للغاية وأن وسائل الإعلام سخرت منه بما فيه الكفاية حتى أن الفيلم سخر من جهاز المخابرات الأمريكي. ويبدو أن ديكتاتور كوريا الشمالية قد أخذ نصيبه هو الآخر من “الكوميديا السوداء”.
يبدو أن ديكتاتور كوريا الشمالية غضب كثيرًا بسبب هذا الفيلم، ولهذا فإن التوتر الذي تسبب به الفيلم لم يهدأ منذ أشهر. وكأن هذا “الضغط” تسبب في حدوث انفجارات الأسبوع الماضي. وقد تحدثت شركة “سوني بيكتشرز” منتجة الفيلم عن تهديدات تلقتها وأعلنت عن استسلامها في نهاية الأمر.
القضية ليست عبارة فقط عن تهديد بل أطلق قراصنة هجومًا إليكترونيًا على الشركة المنتجة حتى صار الفيلم، الذي بلغت كلفته الإجمالية 44 مليون دولار، لاينفع للعرض بدور السينما التي لاتريد إداراتها المخاطرة بعرضه بعدما اعتبرت إدارة كوريا الشمالية هذه الخطوة سببًا لإعلان الحرب وبالرغم من الدعم الذي تلقته الشركة المنتجة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلا أنها لم تجرؤ على عرض الفيلم.
وقد أفضى هذا الوضع إلى حدوث ثورة بين دور السينما الأمريكية. وبدأ البعض يناقش إذعان عالم الفن لهذه “البلطجة” الجوفاء أكثر من اهتمام ديكتاتور ككيم يونج بسيناريو فيلم إلى هذه الدرجة.
ينطبق الوضع القائم في كوريا الشمالية على ما تشهده تركيا؛ إذ تنتج السلطة الحاكمة سيناريو من سيناريوهات الأفلام وتعتقد أن ما هو خيالي حقيقة لتتوالى الأزمات تباعًا.
ألا يدلنا هذا الوضع المثير للشفقة الذي صار عليه من اعتقلوا زميلي العزيز هدايت كاراجا مدير مجموعة” سامان يولو” الإعلامية بسبب سيناريو مسلسل على أن تركيا تسير بخطى حثيثة لتكون نسخة شرق أوسطية طبق الأصل من كوريا الشمالية؟
أؤمن بأن من حاولوا إلصاق تهمة تشكيل تنظيم إرهابي بأناس ألّفوا سيناريو مسلسل يومًا ما وأطلقوا عمليات الاعتقال ضد هؤلاء الأبرياء سيفضحَون أمام التاريخ في المستقبل. فلا تساوركم الشكوك بشأن أن مَن احتقروا الجميع وتمكنت منهم مشاعر الخوف بسبب سيناريو سينمائي سيصبحون مثار سخرية الجميع في يوم من الأيام…