شاهين ألباي
اعتقلت الشرطة التركية أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة” زمان” وهدايت كاراجا مدير مجموعة “سامان يولو” الإعلامية، فجر الأحد الماضي، لمدة 80 ساعة في عملية استهدفت الصحافة الحرة في تركيا بُغية تشتيت انتباه الرأي العام عن المساعي التي تبذلها الحكومة للتستر على التحقيق في أكبر فضيحة فساد ورشوة شهدتها تركيا منذ قيام الجمهورية، والتي جرى الكشف عنها يومي 17 – 25 ديسمبر / كانون الأول من العام الماضي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لاشك في أن استهداف إدارة “الرجل الأوحد” لجريدة” زمان” ومجموعة “سامان يولو” الإعلامية كأول الضحايا في المجال الإعلامي ليس صدفة. فالحقيقة التي أشارت إليها الحملة التي شنّتها الشرطة على المؤسستين الإعلاميتين يوم 14 ديسمبر الجاري هي أنهما قلعتان تأتيان في مقدمة الإعلام الحر في تركيا. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هاتين المؤسستين كانتا صاحبتي أقوى موقف تجاه نظام الوصاية العسكرية في الماضي، وكذلك نظام “الرجل الأوحد” الآن.[/box][/one_third]وأصدرت المحكمة التي أحيل إليها دومانلي وكاراجا قرارًا بإطلاق سراح الأول بانتظار المحاكمة. فيما قضت باعتقال الثاني برفقة ثلاثة فيادات أمنية. وكانت النيابة وجّهت إلى دومانلي تهمة “تشكيل تنظيم مسلح بهدف السيطرة على الدولة” مستشهدة بمقالين وخبر نُشرا له بصحيفة” زمان”، الأمر الذي يبرهن لنا على أن هذه القضية مبنية على ادعاء واهٍ لا أصل له مما لايدع مجالًا للشك في أن مفهومي استقلال القضاء ودولة القانون قد أُلغيا تدريجيًا في تركيا التي تسير في طريقها لتكون دولة “الرجل الأوحد” بشكل مستبد وقمعي.
لاشك في أن استهداف إدارة “الرجل الأوحد” لجريدة” زمان” ومجموعة “سامان يولو” الإعلامية كأول الضحايا في المجال الإعلامي ليس صدفة. فالحقيقة التي أشارت إليها الحملة التي شنّتها الشرطة على المؤسستين الإعلاميتين يوم 14 ديسمبر الجاري هي أنهما قلعتان تأتيان في مقدمة الإعلام الحر في تركيا. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هاتين المؤسستين كانتا صاحبتي أقوى موقف تجاه نظام الوصاية العسكرية في الماضي، وكذلك نظام “الرجل الأوحد” الآن. ولا ريب في أن كون هاتين المؤسستين الإعلاميتين العريقتين تعتبران قلعتين من قلاع الإعلام الحر في تركيا نابع من كون حركة الخدمة، التي تستمد المؤسسات الدعم منها، واحدة من أبرز قوى المجتمع المدني في البلاد.
ربما تكون حملة 14 ديسمبر سببًا في أن نفهم هذه المسائل على اعتبار المثل الذي يقول “ثمة خير في كل شر”. إن كتّاب ومحرري جريدة “زمان” ومجموعة “سامان يولو” الإعلامية لا يكتبون أو يتحدثون وفق التعليمات التي تصدر لهم من الأستاذ فتح الله كولن أو “الجماعة”، كما يدعي البعض. نعم، إن ما يرشدهم وسائر المنتسبين إلى حركة الخدمة هو مفهوم الإسلام والرؤية التي يقودها الأستاذ كولن. فالمفهوم الذي يشتركون فيه جميعًا هو “قبول الكل كما هو”، هذا فضلًا عن الارتباط بمبدأ احترام الديمقراطية، والعلمانية كحرية اعتقاد، ودولة القانون، وحقوق الإنسان العالمية، والاختلاف بين الأشخاص. كما أن هاتين المؤسستين لا تعتبران، كما يدعي البعض، المتحدث باسم حركة الخدمة فقط؛ إذ إنهما منفتحتان على جميع الرؤى المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد أصبحت عملية 14 ديسمبر فرصة لتعليم مسؤولي جريدة “زمان” وكتّابها أدب الانتقاد الذاتي عن طريق قبول بعض الأخطاء التي وقعوا فيها في أثناء الكفاح ضد نظام الوصاية العسكرية في الماضي. لم يتعلم أحد منا قيمة الديمقراطية ودولة القانون بينما كان جنينًا في بطن أمه، بل نتعلم قيمة الديمقراطية من خلال معايشتنا لها.[/box][/one_third]والنتيجة الأخرى التي خرجنا بها من حملة 14 ديسمبر على الإعلام الحر هي أن إدارة “الرجل الأوحد” عمدت إلى استقطاب الصحفيين من خلال “إعلام الحوض” (الموالي)، الذي أسسته، كما فعلت مع الشعب، وسعيها لمواصلة السيطرة على البلاد من خلال استغلال المحطات التليفزيونية والإذاعية الحكومية التي يموّلها الشعب من ضرائبه، وتحويلها إلى “أبواق” لا تنطق إلا في صالحها. أضف إلى ذلك أن ما حدث مِن السعادة التي اعتلت وجوه بعض الإعلاميين لاعتقال زملائهم بادعاءات غير منطقية، ذكّرنا جميعًا مرة أخرى بحقيقة أن الديمقراطية لن تجد لنفسها مكانًا في تركيا من دون أن يتبنى الإعلام الأخلاق والمبادئ المهنية. والأمر الذي يمكن أن يلهمنا المواساة في خضم هذه الأحداث هو وقوف المؤسسات المهنية والإعلاميين الشرفاء ضد هذه الحملة ومعارضتهم لها.
نتعلم الديمقراطية من خلال معايشتنا لحقيقة أن الحق والقانون أمران لازمان للجميع.
لقد أصبحت عملية 14 ديسمبر فرصة لتعليم مسؤولي جريدة “زمان” وكتّابها أدب الانتقاد الذاتي عن طريق قبول بعض الأخطاء التي وقعوا فيها في أثناء الكفاح ضد نظام الوصاية العسكرية في الماضي. لم يتعلم أحد منا قيمة الديمقراطية ودولة القانون بينما كان جنينًا في بطن أمه، بل نتعلم قيمة الديمقراطية من خلال معايشتنا لها.
وفي النهاية أقول إن الكفاح من أجل الحرية سيقضي على نظام “الرجل الأوحد” كما هدم نظام الوصاية العسكرية في الماضي.