محمد كاميش
إن شنّ حملة دهم أمام أعين الجميع في أنحاء العالم على مقر أكبر الصحف وأكثرها مبيعًا في تركيا جريدة” زمان” التي تبيع مليون نسخة يوميا واعتقال رئيس تحريرها أكرم دومانلي شيئ لايمكن حدوثه حتى في أكثر دول العالم استبدادًا وظلمًا.
هل أقدمت الحكومة التركية على هذه الخطوة التي لا يمكن أن نراها حتى في أكثر البلدان ديكتاتورية وخرقا للقانون من أجل استعراض قوتها أمامنا وأمام العالم بأسره؟ وهل نكون بعد ما حدث، نحن والعالم بأسره، قد شاهدنا قوة أصحاب السلطة في تركيا.
ليكن في علمكم يا أصحاب السلطة أن ما شاهدناه لم يكن هو قوتكم بل كان ظلمكم، لا بل أخطأت القول؛ إذ إن ما شاهدناه جميعًا لم يكن سوى عجزكم.
إن التهمة التي يوجهونها إلى الصحفيين الموقوفين ليست إلا عبارة عن نشر أخبار في الصحف حول عملية قامت بها الشرطة قبل خمسة أعوام وتناول كاتبان صحفيان هذا الموضوع في مقالين لهما. والأنكى من ذلك أنه بالرغم من مرور ثلاثة أيام على اعتقال دومانلي وكاراجا لم يوجَّه إليهما أي سؤال. وإن ما يجري حاليا يسمى في لغات العالم كلها بالظلم وخرق القانون والقباحة. في الواقع، يطلَق على هذه التصرفات أسماء سيئة أخرى أيضا ولكني لن أوردها في هذا المقام.
كان المسؤولون في تركيا يلتقون دومانلي في مئات البرامج والزيارات الخارجية واللقاءات الخاصة على مدار عشر سنوات. واليوم يعتقلونه متعللين بحجج لا يمكن حتى أن نطلق عليها لفظ “ملفقة”. لاعتراضه على بعض الأمور الخاطئة ويشنّون حملة دهم على جريدته أثناء البث المباشر ويحتجزونه أياما. فكيف سيشرحون للإنسانية هذه الممارسات القمعية؟ كيف سيشرحون ذلك وأمامهم مئات القضايا التي لم يستطيعوا شرحها على مدار عام كامل: الأموال المخبأة في صناديق الأحذية ومكالمات” تصفير الأموال” والأموال المجمعة في “الحوض” لدعم الحكومة ومخططات الإعمار غير القانونية… إلخ!
شهدنا مساعٍ بذلها حزب العدالة والتنمية لعرقلة التحقيق في ادعاءات الفساد والرشوة، حيث برّأ الحزب حتى السياسيين الذين اعترفوا بأنهم مارسوا الفساد. فإن اللصوص والعصابات الموازية الحقيقية هم في الخارج. وأظن أنه من الأفضل أن يكون الإنسان في سجن في بلد كهذا حتى لا يشاطر الفاسدين الحياة خارج السجن.
لقد تحولت تركيا إلى دولة ينظرون فيها إلى مَن يتحرّى الصواب وينتقد الأخطاء على أنه شخص “انقلابي”. ويعتقدون أن كل مَن يفكر بطريقة مختلفة عنهم “تهديدًا” يجب القضاء عليه. أي بلد كهذا هل هو إلا بلد قد أرغم مواطنوه على أن يلبسوا قميص مستشفى المجانين؟
إذا نظرتم إلى الموضوع بتأمل ستجدون أن تركيا، كبلد، هي التي تتضرر أكثر جرّاء هذه التطورات. ولا شك في أنه من المقلق للغاية أن نجد بلدا عريقا لديه تاريخ حافل يمتد لآلاف السنين كتركيا يتحكم في قدرها ومستقبلها شخص واحد من خلال أطماعه الشخصية وهو يقتحم بسرعة مصطدما بكل مَن يعارضه أو يقف مقابله وراء أطماعه وتحقيق أحلامه الشخصية.
إن الحكومة التركية تعتزم حماية أشخاص مسؤولين عن قتل الآلاف من الناس ورد اعتبارهم. فإذا كانت هذه الحكومة نفسها تحاكم مجموعة من مشجعي فريق لكرة القدم مِن الذين لايملكون أي قوة سوى تشجيعهم للفريق الذي يحبونه بتهمة تدبير انقلاب ضدها فهذا يعني أن أي شخص في هذا البلد معرَّض لأن يحاكم بالتهمة ذاتها. ولعلكم تذكرون حكاية بائع السميط الذي ذاق العذاب في سجون العسكر على مدار أشهر إبان انقلاب عام 1980، على الرغم من جهله حتى بأسباب اعتقاله. فهل هناك فرق بين حكاية ذلك الرجل وبين محاكمة أنصار فريق بشيكتاش بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة؟
يجب على مَن ينفّذون كل التعليمات الصادرة عن أصحاب السلطة اليوم أن يتأملوا جيدًا ما حدث في الماضي. وعليهم ألا ينسوا أن أصحاب السلطة سيفقدون قوتهم المؤقتة إن عاجلًا أو آجلًا ما يعجّل بحلول الوقت الذي لايستطيعون فيه حماية مرتكبي الجرائم ضد هذا الشعب.
إن جميع القوانين المعمول بها في دول العالم كافة تنص على أن أي موظف لايمكنه أن ينفّذ أمرًا يعتبَر جريمة تعاقب عليها القانون. وإن أقدم على شيئ كهذا، فحتمًا سيدفع ثمن فِعلته بنفسه.
لكن ليعرف الجميع أننا سنقف مرفوعي الرأس ولن ننحني، حتى تحلّ علينا تلك الأيام التي سيتلقى فيها الظالم عقابه.