ياووز بايدار
دخلت تركيا مرحلة حرجة ابتداء من هذا الأسبوع. هذه المرحلة التي انجرفنا إليها ستجعل أهل هذا البلد الوحيد وسيئ الحظ يرون بوضوح أكثر الاتجاه الذي يوجَّهون للسير فيه بالإكراه من رجل واحد يتسم بالعناد وبحالة مزاجية مفعمة بحس الانتقام ولايبالي شيئا في سبيل إشباع هذا الحس.
ويمكن لنا بعد الآن متابعة ما سيتم إخضاعه وتسخيره أثناء السير باتجاه الهدف المنشود ساعة بساعة.
وقبيل حلول يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري تم تأكيد قرار عدم الملاحقة بحق المتهمين بعمليات الفساد في 17 ديسمبر/ كانون 2013. وهذه الأعجوبة القضائية التي أعلنت قبل يوم من ذكرى عمليات الكشف عن الفساد في 17 ديسمبر أمام أنظار وأسماع الرأي العام التركي أدت إلى أن يقول المتهمون في تلك القضية: “ليس من حق أحد أن يحاسبنا”.
حسنا هل كانت تلك وسيلة خير بالنسبة لهم (المتهمون)؟ لا، لأن تلك القضية لا يمكن لهم تبخيرها ووضعها في زوايا النسيان مهما فعلوا. وكذلك ما جرى في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013.والجميع يعلم ذلك ولا سيما أعضاء حزب العدالة والتنمية.
وطبعا يمكن لنا تقييم التعيينات الجديدة في مجلس الدولة ضمن ذلك المفهوم العظيم (!) “تركيا الجديدة”. وخمسة أشخاص من الذين تم تعيينهم في مجلس الدولة هم من الوزارات عظيمة الأهمية في الحكومة كوازرتي الطاقة والجمارك.
والمحكمة العليا أيضا تعاني مبادرات شبيهة. ولا يعرف ما هي الإجراءات التي ستُتخذ بعد تقاعد هاشم كيليتش من المحكمة الدستورية لكن هناك توقعات قوية.
خريطة الطريق التي تُرسم أمام تركيا واضحة. وهي:
يتم الدخول في عهد الحكم المطلق لرجل واحد يلغي مبدأ الفصل بين السلطات من خلال حركة انقلابية بطيئة الخطوات بكل معنى الكلمة؛ ويحقق دكتاتورية مبنية على حكم فردي دون أية شروط أو قيود. وهذا يعني المضي قدما نحو الفاشية.
فالإنسانية عانت في مختلف المناطق في العالم من أنظمة شبيهة بهذا. لكن نهايات كل تلك الأنظمة كانت مأسوية. فمحاولة القضاء على الديمقراطية والعمليات التي نفِّذت بحق جريدة” زمان” ومجموعة” سامان يولو” الإعلامية وقنواتها التليفزيونية التي أسفرت عن اعتقال 19 من الصحفيين والإعلاميين ولا سيما أكرم دومانلي رئيس تحرير” زمان” وهدايت كاراجا المدير العام لمجموعة سامان يولو، والزج بهم في السجون بالإضافة إلى اعتقال آخرين غيرهم أثارت حفيظة لدى كل من يحب تركيا ولدى المهتمين بشؤونها والذين لديهم تخوف بشأن استئصال الديمقراطية في تركيا والجميع وقفوا محتجين على هذه الانتهاكات في كل أنحاء العالم .
لكن ذلك لا يعنيه (أردوغان) ولا يبالي بهذه الاحتجاجات في الداخل أو الخارج. فهو غير آبه بما يحدث وعازم على هندسة نظامه الجديد القائم على الوصاية.
وتصريحه الذي أدلى به في هذه الأيام التي شهدت محاولات وجهود كبيرة لإنقاذ العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي من غرفة العناية المركزة كان كافيا لإزالة كل الشبهات في فهم المصير المهلك الذي يريد أن يوجه إليه تركيا. حيث قال: “إن العناصر التي تهدد أمننا القومي سواء كانت صحفيين أو كائنا من كان سينالون الرد المناسب. فحين نخطو خطوة كهذه فإننا لا نتساءل فيما إذا كان الاتحاد الأوروبي يقبل بنا أو لا فذلك لا يعنينا. فنحن نستطيع أن نقوم بقطع سُرَّتنا بأنفسنا (أي نحن نحدد مصيرنا بأنفسنا). وليحتفظ هؤلاء (المسؤولون في الاتحاد الأوروبي) بآرائهم ونصائحهم لأنفسهم”
وهذا الكلام معناه ما يلي:
أنا فصلت قميص المجانين الجديد ليرتديه هذا الشعب، وكما فعل أسلافي أصحاب السلطة الانقلابية في أنقرة، بل أكثر منهم، سأرغم هذا الشعب على ارتداء هذا القميص شاء ذلك أم أبى. ويا أيها الاتحاد الأوروبي قد انتهت علاقتي بكم.
فهو ماض بتركيا في طريقه نحو أيام حالكة الظلام. ويجب على الجميع أن يتخلوا عن خصوماتهم وأحقادهم القديمة ليجابهوا بصوت واحد هذيانَه في إكراه الناس على أن يكونوا كما يرضى في صورة واحدة لإنقاذ ما تبقى من الديمقراطية. ولم يبق منها إلا القليل.
أنا صحفي. وحسب ما تقتضيه مهنتي فإنني أطلب من الناس الشرفاء والنزهاء في هذا البلد أن يكونوا يدا واحدة.
وهذا هو الهدف الأسمى في مشروع الإصلاح لمجابهة العداوة اللامحدودة التي يبطنها الحاكم تجاه الإعلام والاعتقال والطرد من الأعمال والفاشية.
وينبغي على الذين يرون هذا أن يطوروا لغة مشتركة قبل فوات الأوان.
وفي هذا الصدد نذكر أن جائزة “لويس ليونس” وهي من أهم الجوائز الصحفية في العالم قد منحت لـلصحفي الحر المحايد “حسن جمال” يوم أول من أمس 16 ديسمبر/كانون الأول 2014. وهذه رسالة موجهة للاستبداد مفادها: “قف”.
نسأل الله أن يكون في عون دومانلي وكاراجا والـ19 صحفيا الذين زُج بهم في السجون ونتمنى لهم الإفراج في أقرب وقت. وأهنئ حسن جمال الذي لم يخفض صوته تجاه الظلم بخلاف الكثيرين غيره. وسنقاوم حتى النهاية من أجل الديمقراطية.