طورخان بوزكورت
مر يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول 2014 باعتباره بقعة سوداء في تاريخ الصحافة والديمقراطية في تركيا. والعقلية التي يمثلها أولئك الذين لطخوا الصحافة والديمقراطية بهذه البقعة تكره الحقوق الأساسية والحريات العامة. وهذه العقلية ذاتها لا تتسامح مع الصحافة حتى بقدر الديكتاتوريات التي تسمح بصدور الصحف اليومية لتنقذ موقفها وتعطي انطباعاً يفيد بأنه ليس هناك تضييق في الحريات. فعقلية 14 ديسمبر/كانون الأول تعمل على إيجاد مونولوج بدلا من تعددية الأصوات كلما اتسعت دائرة النفوذ والسيطرة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الذين قسّموا السرقة إلى صغرى ووسطى وكبرى قلّبوا كل شيئ رأساً على عقب في السنة الأخيرة لعلهم يتسترون على أعمال الفساد والرشوة وروائحها العفنة التي تزكم الأنوف. أما هذه الحملة الأخيرة غير القانونية فأرادوا من خلالها بعث “رسالة” إلى كل الصحفيين الذين كتبوا كل شيئ يوماً بيوم عن ممارسات الفساد والعمليات غير القانونية التي أعقبتها. ومفاد تلك الرسالة هو “أيها الصحفيون! التزموا الصمت وإلا..!”[/box][/one_third]وبعد التحقيقات في عمليات الرشوة والفساد في 17و25 ديسمبر/كانون الأول 2013 تمسّكوا بسفسطة الكيان الموازي وكأنه طوق النجاة، فأرسلوا قوات الشرطة لاقتحام جريدة زمان وقناة سامانيولو. فهم أردوا إسكات الأصوات المتعالية ضد “الإخلال بمبدإ حرية الصحافة” من خلال الإيهام بأن هذه الإجراءات تستهدف ما يُسمى بالكيان الموازي. لكن حرية الصحافة هي ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة في كل أنحاء العالم. ففي الأحد الماضي اقتحمت قوات الشرطة مبنى جريدة زمان الأكثر مبيعاً بين الصحف التركية واعتقلت رئيس تحريرها أكرم دومانلي، ما أثار ردود فعل هائلة من جميع أنحاء العالم ونحن نتعجب من الذين يتعجبون من ردود الفعل هذه، لأن الصحفيين إذا لم يكونوا أحراراً فهذا يعني أنه لا أحد في أمان. ولاجدوى من انتظار الكتَّاب المأجورين الذين ينفذون أوامر الظالمين حتى يقولوا لهذه العقلية “لا يمكن إسكات الصحافة الحرة”. ولكننا لن نسكت.
فحكومة العدالة والتنمية تظن نفسها ستهدد جريدة زمان وقناة سامانيولو. وبذلك سيتم منع الحديث عن سلسلة الرشاوى التي اضطر 4 وزراء للاعتراف بها في الذكرى السنوية الأولى لبدء عمليات الفساد في 17و25 ديسمبر/كانون الأول. وما إن وافق القصر الجمهوري في الساعة 17:30 من يوم الجمعة الماضي على قانون “الاشتباه المعقول” حتى سارع أحد المدعين العموم في الوقت نفسه بإسطنبول إلى اتخاذ قرار باعتقال مدراء الصحف، والكاتب في جريدة زمان وعالم الدين أحمد شاهين البالغ من العمر 79 عاما، ومخرج أحد المسلسلات وكاتب السيناريو والمنتج. وكانت النيابة العامة في إسطنبول أعلنت يوم الجمعة الماضي عن عدم وجود أي ملاحقة قانونية ضد كل من دومانلي وكاراجا. وقبل أن يجفّ حبر الإعلان المذكور للنيابة العامة بدأت هذه المهزلة القانونية. لذ فإننا نصيح بملء أفواهنا: لا يمكن الحديث عن استقلالية القضاء والدولة القانونية في ظلّ وجود انقلاب صارخ على الإعلام” أقدم عليه مدعٍ عام آخر من القصر العدلي ذاته اعتماداً على “الاشتباه المعقول” وسيناريو حاكه في ذهنه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن العقلية الكامنة وراء العملية ضد الصحفيين في 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 انطلقت من وهْم إمكانية شراء كل الكتَّاب وأقلامهم. ما أسوأ ظلماً وإهانة هذا الوهم بحقّ الكتّاب النزهاء والأقلام والضمائر الحرة! إن هؤلاء الكتاب الذين لا يبيعون أقلامهم وضمائرهم أبداً هم الذين سيفشلون هذه الخطة والمؤامرة الرامية إلى إجبار الشعب التركي على ارتداء ثوب الديمقراطية من الدرجة الخامسة.[/box][/one_third]إن الذين قسّموا السرقة إلى صغرى ووسطى وكبرى قلّبوا كل شيئ رأساً على عقب في السنة الأخيرة لعلهم يتسترون على أعمال الفساد والرشوة وروائحها العفنة التي تزكم الأنوف. أما هذه الحملة الأخيرة غير القانونية فأرادوا من خلالها بعث “رسالة” إلى كل الصحفيين الذين كتبوا كل شيئ يوماً بيوم عن ممارسات الفساد والعمليات غير القانونية التي أعقبتها. ومفاد تلك الرسالة هو “أيها الصحفيون! التزموا الصمت وإلا..!”
إن العقلية الكامنة وراء العملية ضد الصحفيين في 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 انطلقت من وهْم إمكانية شراء كل الكتَّاب وأقلامهم. ما أسوأ ظلماً وإهانة هذا الوهم بحقّ الكتّاب النزهاء والأقلام والضمائر الحرة! إن هؤلاء الكتاب الذين لا يبيعون أقلامهم وضمائرهم أبداً هم الذين سيفشلون هذه الخطة والمؤامرة الرامية إلى إجبار الشعب التركي على ارتداء ثوب الديمقراطية من الدرجة الخامسة. لن نسكت إطلاقاً. فكم استمرت الجاكوبنية (Jakobenizm) حتى تدوم هذه الضغوطات إلى الأبد؟
وبالمناسبة، هناك من فضلوا البقاء صامتين “خوفاً من أن تطالهم الاعتقالات”. وأنا أتمنى ألا ينالوا نصيبهم من “الحرية المحدودة” التي تمنحها “عقلية 14 ديسمبر” المذكورة. انصحوا هؤلاء بأن يعتبروا من الدروس الواردة في مقولة البابا الألماني “نيومولر” حول فاشية هتلر وهي التي تصوّر هذه العقلية الظلامية، حيث قال: “في ألمانيا أولا جاءوا للشيوعيين لم أبالِ لأنني لست شيوعياً وعندما اضطهدوا اليهود لم أبالِ لأنني لست يهودياً ثم عندما اضطهدوا النقابات العمالية لم أبالِ لأني لم أكن نقابيا.. بعدها عندما اضطهدوا الكاثوليك لم أبال لأنني بروتستنتي.. وعندما أضطهدوني أنا .. لم يبقَ أحد حينها ليدافع عني”.