علي بولاج
يوم أول من أمس الأحد اعتُقل هدايت كاراجا مدير مجموعة سامان يولو الإعلامية، وأكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة” زمان”. ولا أعلم ما هو السبب بالضبط. وأرجو أن يُطلق سراحهما عاجلا ليعودا لمهامهما. لقد أحزنتني هذه الحادثة بالطبع. ولكن ما هزني من الأعماق هو مرور دولتنا بهذه الظروف.
ومن يلقى نظرة من الخارج يرى هذه الأمور بكل وضوح:
- تسير تركيا يوما بعد يوم نحو الديكتاتورية. فالسلطات في الأنظمة الملكية تتجمع بيد واحدة، وينتقل الحكم من الأب إلى الولد. أما في الأوتوقراطية(الدكتاتورية) فالحكم لا ينتقل من الأب إلى الولد ولكن تتجمع السلطات في يد واحدة. الأنظمة الديكتاتورية تدعي أولا وجود محاولة انقلابية ضدها. وبحجة هذا الانقلاب غير الموجود أصلا تمارس الضغوط المختلفة. وبذلك تزول العقبات التي تحول دون تأسيس النظام القمعي الديكتاتوري واحدةً تلو الأخرى.
وحين يتصف النظام بالدكتاتورية والقمعية لا يكتفي بسحق الأوساط المعارضة والمنافسة فحسب، بل يُخضع المعارضة لرقابته وسيطرته. ويلغي حرية التعبير ويمنع الجميع من مساءلته في كل الأعمال التي يقوم بها. وإن تركيا تسلك طريقها في هذا المضمار. ولذلك فالذي يرى نفسه غير مستهدف في عمليةٍ تُتخذ ضد مجموعةٍ ما سيجد نفسه بعد مرحلة أو مرحلتين مستهدفاً في عمليات أخرى.
- تسود في تركيا حالة من الانقسام والاستقطاب بين طبقات المجتمع بصورة مخيفة جداً. ويزداد احتمال حدوث صراع فعلي بين هذه الطبقات. فمجتمعنا متنوع وثمة أسباب وقضايا قابلة لإحداث مثل هذا الصراع. ولكن الفطرة السليمة للأطراف والتنازلات المتبادلة والبنية الديمقراطية للنظام حالت حتى اليوم دون تحقق احتمالات الصراع. لكن تطورين سريعين قد يفسحان المجال في لحظة ما لانفجار خطوط الصدع المملوءة بالمشاحنات: وأحدهما بناء السياسة من القمة إلى القاعدة على التجزُّؤ والصراع. وثانيهما تحول الصراعات المذهبية والعرقية إلى حرب أهلية في سوريا والعراق الدولتين المجاورتين لنا. وإن الجغرافيا البشرية لتركيا ليست بمنأى عن الجارتين اللتين تشتدُّ فيها الحرب الأهلية باستمرار. فما يجري في العراق وسوريا قد يجري عندنا أيضًا. وقد يبدأ بشكل مفاجئ ولا يمكن إيقافه مع الأسف.
إن مسيرة السلام المتعلقة بالقضية الكردية دخلت في أحرج مراحلها. ونحن لا ندري ما هي المواضيع التي اتفق عليها الجانبان في اللقاءات والمباحثات التي تجري بين عبد الله أوجلان والحكومة. طبعا حقوق الأكراد الأساسية يجب أن تُمنح فورا ودون أي مساومات. ولكن إذا كانت الحكومة التركية في طريقها نحو الفيدرالية التي لم تُسمَّ بعد وإذا كانت ترى أن الحكم الذاتي الذي يتم الحديث عن المطالبة به بات حالة جديدة في شرق وجنوب شرق الأناضول فإن هذا الموضوع في غاية الأهمية. فهذا الموضوع يتجاوز صلاحيات الحكومة وحزب العمال الكردستاني في مسيرة السلام بينهما. ويجب أن يطرح الأمر على الرأي العام التركي عموما. وعلى الناس من غير الأكراد في المنطقة وكذلك على الأكراد الذين لايؤمنون برؤية حزب العمال الكردستاني من المتدينين والعلمانيين والليبراليين والقوميين. وإذا قامت منطقة حكم ذاتي فيدرالي في إقليم ما من شرق وجنوب شرق الأناضول فلن يكون الحفاظ على وحدة ما تبقى من البلاد ممكنا. وقد تتحقق الفيدرالية في يوم من الأيام ولكنها لايمكن أن تتحقق دون رضا الفئات الثلاث التي ذكرتها. كما لا يمكن أن تكون بطريقة الأمر الواقع.
مضى عام على عمليات الفساد والرشوة التي حدثت في 17و25 ديسمبر/ كانون الأول. ويراد لملفات الدعاوي أن تطوى. لكن الرأي العام على قناعة حقيقية بحدوث أعمال الرشوة والفساد. حتى الناطقين باسم الحكومة يؤكدون ذلك. وإن عدم التحقيق في ملفات الدعاوي يزيد من الشكوك ولو أن العمليات التي اتُّخذت ضد قناة سامان يولو وجريدة زمان في الذكرى السنوية الأولى لأسبوع أعمال الفساد والرشوة بشكل متعمد كما يُدَّعى بهدف منع الحديث عن تلك العمليات. فذلك يعني أن هذه العمليات عبارة عن تدابير طائشة جدا. لأن الناس سيتحدثون أكثر عن عمليات الفساد، وستتسع دائرة التهم حول المتهمين.
وما يحزنني من الأعماق هو أن تحصل هذه الأحداث في عهد حكومة يدعي أعضاؤها التدين. فوا أسفاه! ليت ذلك لم يحدث. ما كان يجب لثمرة نضالنا من أجل التخلص عن الوصاية وقمع الحريات منذ 100 عام أن تكون مرا علقما كهذا.