أرهان باشيورت
تقترب الذكرى الأولى لأكبر فضيحة فساد ورشوة كُشف عنها في تاريخ تركيا يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول العام الماضي.
إن السعي للإتيان بكل شاردة وواردة لخداع الناس وإصدار تعليمات بنفي عشرات الآلاف من رجال الشرطة للتهرّب من الحساب أمام القانون بالرغم من جميع التدابير الوقائية التي اتخذها الجهاز القضائي يحول دون تبرئة ذمة المتهمين لدى ضمير الرأي العام في تركيا.
أيضا فرض حظر النشر على عمل اللجنة البرلمانية المنوط بها التحقيق في ملفات الوزراء الأربعة الذين أُجبروا على الاستقالة من مناصبهم بعدما انتشرت ادعاءات تفيد بتورطهم في فضيحة الفساد وكذلك التلاعب بملفات هؤلاء الوزراء كل ذلك يزيد من الحاجة إلى التحقيق في ادعاءات الفساد والرشوة من قِبل هيئات قانونية مستقلة وحيادية.
الحكومة آثرت التستّر على المتهمين بدلًا عن تبرئتهم
ظهر – عيانًا بيانًا – أن تحقيقات الفساد الأخيرة في تركيا استُغلت كـ”انقلاب” ضد القطاعين الأمني والقضائي، وأن الحكومة تسير في طريقها نحو تحويل تركيا إلى “دولة الحزب الواحد” مستغلة هذه التطورات. بيد أن حزب العدالة والتنمية يعتبر حزبًا وصل إلى السلطة بعدما قطع على نفسه وعدًا بالتحقيق في مزاعم “الفساد والرشوة”.
وكان الحزب قد استبعد مساعدي الرئيس العام من الكوادر المؤسسة للحزب عندما ظهرت ادعاءات فساد مماثلة في الماضي. ولم تتسبب هذه الخطوة الجريئة في تقليل الدعم الشعبي للحزب بل على العكس تمامًا زاد الدعم الشعبي له.
لكن الحزب آثر هذه المرة “التستّر على المتهمين” بدلًا عن “تبرئتهم” أمام السلطات القضائية، بطريقة أو بأخرى، في مواجهة تحقيقات الفساد والأدلة التي كشفت عنها جهات التحقيق. وقد أعمل الحزب الحاكم مبدأ “أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم” من أجل النجاح في هذه المهمة. فما فعلته الحكومة يذكّرنا بطرق الدعاية السوداء التي كان يلجأ إليها جوزيف جوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية.
“الشعب يصدّق الأكاذيب الكبيرة أسرع من الأكاذيب الصغيرة…”.
الإعلام “الفاسد” يكذِب على مدار الساعة
إذا كرّرت كذبة من الأكاذيب باستمرار، سيؤمن بها الشعب إن عاجلًا أو آجلًا… اجعل الشعب يحترق باستمرار ولا تسمح له بأن يبرد…
يبدو أن مبادئ جوبلز للسيطرة على الإعلام والتحكم به بدأت تكتسب أهمية من جديد. فالحكومة التركية تستهدف باستمرار “كيانًا خفيًا” يطلقون عليه اسم “الكيان الموازي”. هذا فضلًا عن أن الإعلام المؤيد للحكومة، أو كما يطلق عليه “الإعلام الفاسد” المدعوم بأموال الفساد، يخرج علينا كل يوم منذ عام بعناوين وأخبار كاذبة.
نرى أكبر المسؤولين بالدولة يدلون بتصريحات لايعقلها عاقل، وينشرون بيانات متعارضة مع بعضها البعض. ويسعون – في الوقت نفسه – إلى تشتيت انتباه الشعب عبر ترديد ادعاءات لا أساس لها من الصحة من قبيل أن هذا “الكيان الموازي” حاول الانقلاب على الحكومة وخيانة الوطن وما إلى ذلك.
ولتحقيق هذا الهدف شنّت السلطات 14 عملية اعتقالات ضد مسؤولين بجهاز الشرطة. وظهر بعد ذلك أن جميع هذه العمليات تستند إلى ادعاءات فارغة وأن التقارير المزورة للمفتشين اعتُبرت كأدلة وجرى التعدي على الأعراف القانونية.
استهدفت هذه العملية كذلك المؤسسات التعليمية. وكذلك محاولة منع تقديم المساعدات إلى اليتامى والمحتاجين من قبل جميعة كيمسا يوكمو (هل من مغيث). كما بذلت مساع لإغلاق المدارس التركية التي ساهمت في إكساب تركيا اعتبارًا في الخارج…
لجأت السلطات التركية كذلك إلى ممارسة ضغوط سياسية واضحة على دنيا الأعمال ومصرف الاستثمار الخاص… ثم ظهرت فضيحة الفساد والرشوة يومي 17 و 25 ديسمبر الماضي…
والآن نسمع ادعاءات بشأن إعداد السلطات التركية لعملية جديدة للتستّر على جميع فضائح الفساد، والتغطية على الإسراف في إنشاء القصر الرئاسي الجديد (القصر الأبيض)، وتوقف مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، والأداء الهزيل للاقتصاد.
ستظل هذه الادعاءات تقض مضاجعهم
تحدث البعض عن عملية جديدة تعتزم السلطات شنّها لاعتقال 400 شخص بينهم 150 صحفيًا وجرى تضييق العملية بعد افتضاح أمرها. وحتى إن حاكموا الشعب التركي بأسره من أجل أن ينجوا بأنفسهم من المحاكمة، فإن ذلك لن يكفيهم ليتستّروا على جرائمهم.
شخصية التهمة مبدأ أساسي في القانون
لا يمكن لأي عملية تشنّها السلطات أن تضفي صبغة شرعية على جرائم المتورطين في فضيحة الفساد والرشوة، وستظل هذه الادعاءات المثبَتة صحتها بالأدلة القاطعة تقض مضاجعهم طيلة حياتهم ما لم يبرّئهم القضاء. وإن استطاعوا أن ينجوا بأنفسهم في هذه الحياة الدنيا فإنهم سيحاسَبون أمام صاحب العدل المطلق في الآخرة.
يسيرون في طريق مسدود مغلقين أعينهم غير آبهين بجميع التحذيرات الحميمة التي يتلقونها من الآخرين. وهُم على استعداد لجرّ البلاد إلى الهاوية – إن استطاعوا – من أجل إنقاذ أنفسهم.
مساعٍ عقيمة… افتراءات عقيمة… أكاذيب عقيمة…
فلو كانت هذه الأساليب التي عقدوا آمالهم عليها تجلب النجاح الدائم والشامل، لما كانت نهاية المطبّقين الحقيقيين لها (نهاية هتلر وجوزيف جوبلز ) على هذه الصورة.