سيفجي أكارتشيشمه
كان مما زلزل جدول الأعمال العالمي هذا الأسبوع تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الذي كشف عن المراكز السرية للمخابرات الأمريكية التي كان يمارس فيها التعذيب وعن انتهاكها لحقوق الإنسان.
رأيت في الجزء الذي قرأته من التقرير، المكون من 525 صفحة، كم أن الإدارة الأمريكية السخية في تقديم الحريات إلى شعبها ظالمة تجاه من تعتبرهم أعداء لها.
والفضيحة الأهم مما سبق هي أن جهاز المخابرات كان يمارس هذه الأنواع من التعذيب دون علم الرئيس الأمريكي أو وزير الدفاع. فالتقرير المذكور دليل على أن جهاز المخابرات قد يتحول إلى وحش كاسر إن لم يخضع لرقابة حتى ولو كان في دولة قد ترسخت فيها الديمقراطية نسبيا.
وحين كنت أفكر في تناول هذا الموضوع في مقالي هذا ظهر تصريح في جدول الأعمال جعلني أحجم عن ذلك. فخير الدين كارامان الذي يقدم للسياسيين الإسلاميين فتاوى مريحة فضفاضة إذ يُشرِّع ويبيح التبرعات الإجبارية، أفاد هذه المرة أنه لا يجوز أن نسمي أعمال الفساد بالسرقة. وهو بذلك جعل اسمه يسجَّل في التاريخ، كالنقش في الحجر، بشكل يؤكد مقولة: “موت العالِم يعني موت العالَم”.
فبينما كنت أتساءل في نفسي هل أكتب عن التلفيقات والسخافات التي لفظ بها بعضهم في الأسبوع الأخير فقط للتستر على السرقات وأعمال المحسوبية أو عن الافتراءات المأسوية والهزلية في الوقت نفسه، لكن سرعان ما تغير ترتيب جدول الأعمال مرة أخرى.. حيث ظهر تصريح على موقع التواصل الاجتماعي” تويتر” من جانب الاسم المستعار فؤاد عوني، المدون المشهور، والذي يسمى في الأنظمة الديمقراطية بالمبلغ لأنه يبلغ عن عمليات الفساد. وهو يطلعنا علي الأخبار المنتظَرة قبل حدوثها كالإعلان عن الأغاني المنتظرة. وكان فؤاد عوني يدعى أنه سيتم اعتقال بعض المعارضين وبخاصة في الإعلام المقرب من حركة الخدمة ومجموعة “زمان” يوم الجمعة. وادعى أن الحكومة استعدت تماما لكل الاحتمالات بما في ذلك تعليق العلاقات بدول الغرب. وفي الحقيقة أن هذا الخبر لم يكن جديدا، لأنه من الواضح أن ما تريده الحكومة الحالية هو أن يكون توجه تركيا ليس نحو بروكسل بل نحو موسكو إن كنا متفائلين.
وهذه العملية عبارة عن حملة متوقعة. والسبب الرئيسي لذلك ليس لأن صحيفتنا (زمان) – وهي أول المستهدفين- ارتكبت جريمة ما. بل لأن عليهم (الحزب الحاكم وأردوغان) اتخاذ خطوة لتشويه سمعتها ووضعها في خانة المجرمين، وذلك لأنها تفنِّد أكاذيبهم وافتراءاتهم منذ عام. وبعبارة أخرى فقد تبين أن ادعاءهم بوجود كيان موازٍ ليس إلا سفسطة للتستر على السرقات.
وفي الوقت الذي تقرأون فيه هذا المقال تم تنفيذ العملية المزعومة من قبل الذين غيَّب الغضب عقولهم. ولو كان تغلب أصحاب المنطق الذين يرون أن خطوة كهذه تجعل اعتبار تركيا يهبط إلى خط الصفر، لألغيت الهجمة على الإعلام. وفي كل الأحوال أريد أن أقول ما بخاطري ليكون شاهدا على التاريخ:
أنا أكتب في صحيفة”زمان” منذ عام تقريبا. وفي صحيفة” تودايز زمان” Today’s Zaman( باللغة الإنجليرية)
منذ عامين ونصف العام تقريبا. صحيح أنها مدة قصيرة ولكن المرحلة العصيبة التي نعيشها ووجودي هنا في كل أيام العمل (أيام الأسبوع ما عدا السبت والأحد) ربما يعادل 10 سنوات في الأوقات العادية. وأنا لم أشهد أي تدخل في أي خبر أو مقال لافي “زمان” ولا في “تودايز زمان”. وكان المبدأ الذي سمعت به في بداية عملي في هذه الصحيفة هو “قد نخطئ لكننا لا نخدع ولا يمكن أن نكتب خبرا كاذبا متعمِّدا ونحن نعلم أنه كذب”. وكان هدفنا الوحيد دائما مثل زملائنا السابقين هو وضع مرآة من موقعنا أمام المجتمع كي ننير دربهم. وكنا نأمل في أن نسهم في جعل تركيا دولة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين وما زلنا نأمل ذلك.
وحين رضي الإعلام المأجور بأن يكون أداة قذرة بيد سيئي النية بعد ما جرى في 17 ديسمبر وأخفض آخرون صوتهم للتهرب من دفع الضرائب والرسوم المالية الأخرى. لكن صحيفة” زمان” أصبحت مستهدفة لأنها لم تذعن لسياسات هندسة الإعلام وعمليات القمع والترهيب.
إن تنفيذ أية عملية ضد صحيفة” زمان” لايستهدف الصحيفة وحدها. فهو ضربة قاصمة للإعلام ككل وحرية التعبير. وواضح جدا أن الدور سيأتي على الصامتين والمعارضين الآخرين.
ونحن في انتظار الذين يخططون لعملية أيا كان وقتها لقدومهم إلى مقر صحيفتنا. بل نرحب بهم في أي وقت ونقول لهم تفضلوا اشربوا كوبا من الشاي لأنكم قد تكونوا مرهقين بسبب حياكة المؤامرات. فنحن متأكدون من براءتنا. وهم مدركون أنهم انغمسوا في مستنقع انتهاك القوانين.
وليس لدينا أي خوف مهما تمارسوا من أنواع الظلم.
ولن تستطيعوا إسكاتنا!