بقلم: أونال طانيق*
لقد تطلّب الأمر أن أعيد النظر قبل أيام عدة في برنامج حزب العدالة والتنمية ضمن إطار عمل أعكف عليه حاليا، مما أتاح لي فرصة قراءة كل الأقسام الموجودة فيه تقريبا. ولاحظت أنني ركزت خلاله على قسمي” الحقوق الأساسية والمبادئ السياسية” و”الإدارة العامة” خاصة. وكانت ابنتي بالقرب مني وسألتني: “لماذا تضحك باستهزاء منذ دقائق؟”. وكنت شارداً حينها بين السطور. فعلمت أنها لاحظتْ حركات غريبة في وجهي.
في الحقيقة كان برنامج العدالة والتنمية يحتوي على معظم الخطوات الواجب اتباعها لتحقيق الديمقراطية في أي بلد. ومنها:
- ضرورة العمل بمبدإ الفصل بين السلطات.
- تأمين حيادية وموضوعية القاضي واستقلاليته بشكل تام. كما يجب تأمين سلامته.
- من أهم خصائص الديمقراطية المعاصرة ألا تفتح الأكثرية موضوع ضرورة حفظ الحقوق الأساسية والحريات العامة للأقليات. بالإضافة إلى وجوب احترام حقوقهم وحرياتهم.
ضمان الدستور لآراء الأقليات وحقهم في المعارضة يعتبر من العناصر الداعمة لوصف التعددية للديمقراطية.
- يجب تعزيز الشفافية ومسؤولية المساءلة والرؤية المستقبلية في كل مجالات ومراحل الإدارة العامة.
هدف هذا المقال ليس إجراء تدقيق في برنامج حزب العدالة والتنمية.
ويجب الاعتراف والتسليم بأن حزب العدالة والتنمية بادر إلى مجموعة من الخطوات الجادة حينما وصل إلى السلطة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2002.
وفي ظل هذه الخطوات بدأت تركيا تتحول إلى نجم يسطع في المنطقة والعالم.
ففي تلك الحقبة:
- أصبح زعماء الدول يمتدحون تركيا بسبب أعمال الحكومة بعد أن كانوا لايذكرون اسم تركيا بالخير.
- أصبحت تركيا محط أنظار الاستثمارات الخارجية.
- ازدادت قيمة جواز السفر التركي في الخارج.
- أصبح رجال الأعمال يحقّقون أحلامهم في الحصول على أعمال في الخارج كانت تصعب عليهم في السابق.
- أصبح الإعلام الغربي والشرقي يمتدح تركيا في أخباره اليومية.
لكن بدأ المسؤولون بالتغير بعد استفتاء 12 سبتمبر 2010 إذ ظنّوا أنهم صاروا مقتدرين يمسكون بزمام الأمور كلها في البلاد. فمسؤولو الحكومة الذين أثاروا إعجابنا بالإجراءات التي اتخذوها إزاء حقوق الإنسان والديمقراطية أصبحوا الآن لايستمعون لأحد ويفعلون ما يحلو لهم.
وعملوا على تكميم أفواه المنتقدين. وصموا آذانهم عن الانتقادات الموجهة من أصدقائهم. فبالأمس القريب كان مديح الأصدقاء يُعرض كالوثائق، واليوم أصبحت انتقاداتهم المنشورة في وسائل الإعلام تُقدّم داخل الحزب بالقول “إنهم يحسدوننا”.
وبعد أن نجحوا في السيطرة على الإعلام وإسكاته من خلال “نظام الحوض المالي الفاسد” الذي أسّسوه أصبح الصوت الوحيد الذي يسمعه الشعب هو صوت الرئيس رجب طيب أردوغان. فقد صمّ الإعلام آذانه عن كل صوت معارض. وعندما زعموا أنهم ضمَنوا الدعم الشعبي بدأوا يتخلون عن كل الإيجابيات السابقة التي كانت كفة ميزانهم. فهم ظنوا أن الدولة ملكٌ لهم وأنهم يتصرفون فيها كما يشاؤون. وأصبحوا يديرون الدولة بأساليب لا تُستخدم حتى في إدارة الشركات العائلية في عالمنا اليوم. إذ بدأوا يصفون ما كانوا يرونه أبيض في الأمس بأنه أسود، ويصفون أصدقاء الأمس بالأعداء. وأصبحوا يحرِّمون حق العيش على من ليس منهم بسبب حالة السكر والعنهجية التي أصابتهم جراء اعتدادهم بالقوة والغطرسة. وبدأوا يرتكبون أخطاء أفدح في مستنقع خرق القانون يوما بعد يوم للتستر على الفساد الذي اقترفوه. وكما لفقوا مئات الأكاذيب للتستر على كذبة واحدة فقد خرقوا القوانين بطريقة لانراها حتى في الأنظمة الديكتاتورية للتستر على سرقة قاموا بها.
وقد تحول اسم هذا النظام من نظام الديمقراطية إلى نظام أردوغان. وحولوا تركيا إلى سجن في الهواء الطلق بالنسبة لمن لاينتمي إليهم. وأصبحت الدولة تفقد المزيد من الدماء يوما بعد يوم في ظل الطامعين المحيطين بأردوغان.
فهذا النظام الذي وضعه أردوغان في البلد:
- خيب آمال العالم في تركيا.
- حول أصدقاءنا في المنطقة إلى أعداء.
- عرَّض حياة ومستقبل عشرات الملايين من سكان تركيا للخطر.
وقد حان الموعد ليدرك الجميع أن النهاية التي ينتظرها أردوغان هي النهاية ذاتها التي لقيها كل الظالمين الذين لم يكيلوا بميزان العدل. وسنرى جميعاً أن تحقّق هذه النهاية أقرب في الدول التي يحكمها أي نوع من الديمقراطية مهما كان مستواه.
*مدير تحرير موقع “روتا خبر” الإخباري