بقلم: الكاتب الصحفي شاهين ألباي
تتبلور بمرور الوقت التناقضات في عبارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولهذه التناقضات مثالان لافتان للنظر ينعكسان كذلك على السياسة الخارجية.
ولنبدأ كلامنا بالحديث عن المثال الأول: يلفت أردوغان، كلما سنحت له الفرصة، الانتباه إلى المأساة التي تعيشها سوريا (وهو محق في ذلك)، ويوجِّه انتقادات لاذعة إلى بشار الأسد الذي يعتبره المسؤول الأول عن هذه المأساة. وبطبيعة الحال لا يتحدث الرئيس التركي أبدًا عن دوره في تعميق هذه المأساة… (ولمعرفة هذا الدور أوصيكم بالاطلاع على التحليل القيّم الذي كتبه النائب بالبرلمان عن العاصمة أنقرة خلوق أوزدالجا في صحيفة زمان).
اليوم يهاجم أردوغان نظيره السوري بشار الأسد الذي كان صديقًا حميمًا له في وقت من الأوقات. غير أنه تربطه علاقة وطيدة بالداعمين الأساسيين لنظامه في سوريا. أوليس أردوغان هو مَن زار طهران مطلع العام الجاري، وقال في تصريح له “نشعر في إيران بأننا في بيتنا الثاني…”؟ كما لا يمكن لأحد أن يشكّك في علاقته الوثيقة بنظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي فهمنا أنه يعتبره “نموذجًا يحتذي به”. لذلك لم نرَ أي تعليق للسيد أردوغان حتى على احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم ودعمها للانفصاليين شرق أوكرانيا.
أضف إلى ذلك أن أردوغان لايؤيد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا. والسبب الرئيس لهذا هو أن تركيا تستورد ما يقرب من 60% من احتياجها من الطاقة من روسيا.
أما المثال الثاني: الخطاب المعادي للولايات المتحدة والغرب بصفة عامة الذي زادت حدته لدى أردوغان منذ اندلاع أحداث متنزه جيزي بارك في إسطنبول صيف عام 2013. انظروا ماذا يقول: “نحن فقط من يستطيع أن نحل مشاكلنا. أقولها بصراحة: القوى الخارجية تحب نفط العالم الإسلامي وذهبه وألماسه وقوته العاملة الرخيصة، يعشقون صراعات المسلمين وتناحرهم وفرقتهم. صدقوني فهؤلاء لا يحبوننا..”
حسنًا، أوليس أردوغان هو صاحب الرؤية التي اقترحت على الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إسقاط نظام بشار الأسد، وجعلت من إسقاط النظام السوري شرطًا من أجل الانضمام للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)؟
مَن كان قد طلب الحماية من حلف شمال الأطلسي (ناتو) لحماية أراضي بلاده في مواجهة أي تهديد صاروخي يأتي من سوريا؟
من الواضح أن سبب تحمُّل الولايات المتحدة والغرب لخطاب أردوغان المناهض للغرب وسياساته غير المتوافقة، هو اهتمام هذه الدول بتحالفها مع تركيا، وليس نابعًا من اهتمامها بأردوغان. فلا يوجد من ينكر أن المشاكل المتعلقة بأردوغان تزداد بمرور الوقت سواء في واشنطن أو بروكسل.
تتطور العلاقات التركية – الروسية بشكل يزيد من مخاوف الجميع. وكان بوتين قد صرح خلال زيارته التي أجراها إلى أنقرة الأسبوع الماضي بأنه ألغى مشروع خط أنابيب التيار الجنوبي الذي كان سيمتد إلى بلغاريا من تحت مياه البحر الأسود ليغذي الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي. وأشار إلى أن بلاده تعتزم إنشاء تيار تركي بدلًا عنه بالتوازي مع التيار الأزرق وأن جميع صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا ستجري عبر الأراضي التركية. وربما يكون موقف بوتين هذا ردًا على العقوبات التي فرضها الغرب على بلاده بشأن الأزمة الأوكرانية. وهناك شكوك جادة تحوم حول إمكانية تنفيذ المشروع على أرض الواقع. ولنفترض أن المشروع جرى تنفيذه فلا يمكن أن نغفل عن أن هذا ربما يزيد من ارتباط تركيا بروسيا فيما يتعلق بمصادر الطاقة ولعله يقرّب أنقرة أكثر إلى الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون بعدما أوقفها الاتحاد الأوروبي على بابه دون إجابة.
لاريب في أن إدارة الرئيس أردوغان، التي تسير في طريق بعيد عن الغرب، ستتحول إلى إدارة تعسفية واستبدادية أكبر بمرور الزمن. وفي الوقت الذي زار فيه بوتين أنقرة رد أردوغان عليه بخطوة مماثلة إذ أُعلن عن أن تركيا ستصادق على تقرير تقييم الآثار البيئية لمحطة الطاقة النووية التي ستبنيها روسيا في منطقة أكويو بمحافظة مرسين الساحلية جنوب تركيا. ورأينا كيف أن الحكومة التركية لم تأخذ على محمل الجد المخاوف الكبيرة التي يحملها المجتمع المدني تجاه البيئة. فهذا المشروع يجري التخطيط له بشكل بعيد كل البعد عن الشفافية وبطريقة تقلق مَنْ يؤيد مشاريع الطاقة النووية، ناهيك عن معارضيها من الأساس مثلي.
كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعدت تقريرًا في شهر فبراير/ شباط الماضي يتضمن تحذيراتها الموجهة للحكومة التركية حول المشروع. غير أن الإدارة التركية أخفت تفاصيل هذا التقرير عن الرأي العام. (راجع المقال الذي كتبه تولجا تانيش في صحيفة” حريّت” بتاريخ 7/12/2014 وحمل عنوان “التقرير النووي المفقود للوكالة الدولية للطاقة الذرية”).
وفيما يلي نذكر خصائص المشروع: ستبني شركة (Rosatom) الروسية محطة أكويو النووية جنوب تركيا بطريقة “ابنِ – امتلك – اكسب – شغّل” (BOO) التي تطبَّق للمرة الأولى على مستوى العالم، وذلك من خلال تصميم لم تجرِ تجربته من ذي قبل. والغريب أن تركيا ليس لديها مجلس مستقل لتنظيم الطاقة النووية أو حتى قانون للطاقة النووية…
وإذا ما وقع حادث في المحطة، لا قدر الله، فستكون مسؤولية شركة (Rosatom) محدودة بمبلغ 700 مليون يورو. أما الجزء المتبقي من المخاطر فستتحمله تركيا. ويدور الحديث عن إنشاء روسيا لمحطة نووية ثانية في تركيا بالطريقة نفسها. وإذا تقرر إنجاز برنامج الطاقة النووية الذي يدافع عنه المسؤولون الأتراك بحجة تنويع مصادر الطاقة فسيزيد ارتباط تركيا بروسيا.
إن “البلاء النووي” اقترب من أبواب أنقرة. غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن ثلثي الشعب التركي يعارض الطاقة النووية. فماذا عساي أن أقول؟ آمل أن يقف الشعب في وجه تنفيذ هذه المشاريع.