بقلم: محمد كاميش
بعد الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة يوم 17 ديسمبر / كانون الأول العام الماضي في تركيا كانوا يقولون إن كل ادعاء هو افتراء وإن خزائن الأموال التي عُثر عليها في منزل باريش جولر، نجل وزير الداخلية السابق معمر جولر، موضوعة من قِبل الشرطة. أما الآن فقد أكد معمر جولر بنفسه أن خزائن الأموال تلك مملوكة لابنه.
كان يقال إن التسجيلات الصوتية الخاصة بفضيحة الفساد والرشوة جرى تحريفها و”منتجتها”. لكن اليوم اكتشفنا أن وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق أردوغان بايراقدار يؤكد بنفسه صحة هذه التسجيلات كما أكدت ذلك مؤسسة الطب الشرعي.
هل تذكرون كيف أن الصحف والقنوات الفضائية واللقاءات الجماهيرية المؤيدة لحكومة حزب العدالة والتنمية كانت تردد هذه الادعاءات بصوت عال في تلك الفترة؟ واليوم، يتضح بشكل تدريجي أن جميع الأشياء التي كانت ادعاءً في ملف قضية الفساد والرشوة حتى اليوم كانت حقيقة وليست ادعاء كما روّجوا.
ستذكرون أن أربعة مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة التركية عقدوا اجتماعات بشأن سوريا في غرفة سرية تحرسها حراسة خاصة. وما أن نُشرتْ تفاصيل هذه الاجتماعات على شبكة الإنترنت حتى بادروا إلى إلقاء اللوم على أشخاص آخرين. كما فوجئنا بنشر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تسريبًا لمحادثات جرت في اجتماعٍ عُقد في الغرفة السرية الخاصة بوزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو لم يدخلها أحد سوى أربعة مسؤولين رفيعي المستوى بالدولة. لكن هذه المرة أيضًا يجري تبرئة الجميع كأن شيئًا لم يكن.
وفي الوقت الذي تجب فيه محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل في أية دولة عادية فإن المسؤولين في تركيا ألقوا التهمة على أشخاص آخرين دون أدنى دليل أو إثبات. وبالرغم من مرور وقت طويل. فإنهم لايستطيعون أن يكشفوا عن أي شيئ يمكن أن يقنع الضمائر ويدعم اتهامهم.
وللأسف أصبحت الحكومة التركية تلجأ كثيرًا إلى هذه الطريقة في السنوات الماضية. أي أنهم يهتمّون بالإدراك الذهني فقط، ولايولون اهتمامًا بالحقائق والواقع، ويستخدمون العبارات الكاذبة والخاطئة بسهولة تامة وهم يقومون بذلك. ثم لا يشعرون بالمسؤولية إزاء إثبات ما قالوه بالأدلة والبراهين.
وكان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قد أدلى بتصريحات خلال عودته أمس الثلاثاء من زيارة إلى بولندا قال فيها إن حركة الخدمة تربطها علاقة بتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، غير أن هذه التصريحات لاتعتبر سوى اتهام غريب لايستند إلى أي دليل، بالضبط كالتصريحات التي أدلى بها المسؤولون بالحكومة في وقت سابق. أليس من حقّنا أن نوجَّه أسئلة إلى مَن يزعمون ذلك: ألستم مَن عقد مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني لسنوات في مدينة أوسلو النرويجية وجزيرة إيمرالي في تركيا وجبال قنديل في العراق؟ ألم تتفقوا مع قيادات التنظيم في الأروقة السرية؟ ألم تكونوا مَن ترك منطقة جنوب شرق الأناضول بالكامل ليسيطر عليها تنظيم مسلح؟ أضف إلى ذلك أن أحدًا لا يعرف ماذا تفاوضوا حوله وبماذا وعدوا قادة ذلك التنظيم الإرهابي. فماذا حدث حتى بدأتم تشكون “رفاق دربكم” إلى أناس آخرين؟
كنتم تعرفون منذ البداية أن سير مفاوضات السلام على هذا النحو سيدخل طريقًا مسدودًا. ذلك أن الخطأ كان يكمن في وضع برمجية صحيحة لهذه المفاوضات منذ البداية. والآن تبحثون عن “أرض” لتتركوا فيها هذا الصبي المتولّد من هذه العلاقة غير الشرعية. لكنني أوصيكم بالبحث عن مخرج آخر؛ إذ إن ما اعتبرتموه مخرجاً وحلاً لن يجلب لكم نفعًا أبداً. إن كانت الأمور تسير بشكل سيئ و”تجري الرياح بما لاتشتهي سفنكم”، فعليكم أن تتفكروا مليًّا، وتتحرّوا الصدق بداخلكم وتحاسبوا أنفسكم. فهل السبب الذي دفعكم إلى اتخاذ هذه الخطوة (إطلاق مفاوضات السلام) كان حقًا الجرحَ الذي أصابكم جرّاء وفاة أشخاص في ريعان شبابهم أم حساباتكم السياسية اليومية؟!
فكّروا في سبب عدم إقناعكم للناس وعدم ثقتهم بكم. وناقشوا اتساق سياساتكم مع بعضها البعض. دعوكم من تحميل الآخرين نتائج فشلكم. ولا تقضوا على آمال الشعب الكردي المدني الذي عقد آماله على مفاوضات السلام وإلا فإن التاريخ لن يسامحكم قطّ.
تلفقون التهم إلى الآخرين كلما ظهرت موجة فساد أو أُلقي القبض على لصٍّ من اللصوص أو وقعت فيضانات أو هدمت مناجم فوق رؤوس العاملين بها مع أنكم من تتحكمون في جميع الصلاحيات في تركيا منذ سنوات.
لقد نسبتم كل نجاح إلى أنفسكم وتبرأتم من كل فشل وألقيتم مسؤوليته من على عاتقكم واتهمتم الآخرين لكن أي فشل ستشهده تركيا في المستقبل سيكون له عنوان واحد. ألا وهو أنتم..ولن تستطيعوا أن تقنعوا أحدًا بافتراءاتكم الباطلة بعد اليوم.