بقلم: أكرم دومانلي
كانت تركيا ستصبح بلد الحريات. ولم يكن سيجري تصنيف الناس على حسب انتماءاتهم، ولم يكونوا سيتعرضون للإهانة أو الضغوط من قبل الدولة بسبب هوياتهم وأفكارهم. كانت ستلغى جميع المحظورات، وكانت الحكومة ستقوم بما يقع على عاتقها من مسؤوليات من أجل أن تتحول إلى دولة شفافة، وكنا سنشهد إقرار مبدأ “سيادة القانون” بدلًا عن “قانون الأسياد”. فهل هذا ما حدث اليوم في تركيا؟!
للأسف، تحولت أجمل الأحلام في تركيا إلى كوابيس. كانت حكومة حزب العدالة والتنمية قد أنجزت العديد من الإصلاحات في السنوات العشر الأولى لها في السلطة. لكن يا للخسارة! فإن قاعدة “القوة والسلطة تفسد أصحابها”. تكررت مرة أخرى، وانحرف أصحاب السلطة – فعلًا – عن الطريق المستقيم. فتوالت المحظورات الواحدة تلو الآخر. وبدأ مَن في السلطة يقدِّمون لنا كل ما انتقدوه في الماضي على أنه مهارة و”شطارة”. هذا فضلًا عن التفريق بين المؤسسات الإعلامية التي لا تروق لهم تحت مسمى “الاعتماد”. ليقدموا لنا أفظع نماذج الظلم.
تفرض الحكومة التركية حظرًا على الأخبار التي تتناول موضوعات مثل الفساد والرشوة والاحتكار في محاولة منها لحجب حرية حصول الشعب على الأخبار لمرات عديدة. أضف إلى ذلك تصنيف الأشخاص والفئات التي لاتروق لها ومنح المناصب بالدولة إلى أنصارها وليس إلى أهل الخبرة والكفاءة. لقد رأينا أكثر نماذج هذا الحظر تراجيدية عندما وقعت حادثتا منجمي سوما وأرمينيك، حتى أن المسؤولين المحليين حاولوا منع الصحفيين من الوصول إلى المناطق المنكوبة.
تلجأ الحكومة، التي ارتكبت أخطاء كثيرة في مساحة واسعة للغاية، إلى فرض المحظورات من أجل إخفاء الحقائق. هذا فضلًا عن أن تركيا أصبحت أمام مئات المحظورات بدءًا من حظر موقعي يوتيوب وتويتر على شبكة الإنترنت وصولًا إلى حظر نشر أخبار تتعلق بعمل اللجنة المسؤولة عن التحقيق في قضية الفساد. وهل الحل في المحظورات؟ بالطبع لا. فكلما زادت قرارات الحظر ازدادت الشكوك، وقويت القناعات بأن هناك جريمة ترتكَب.
كان الجميع حول العالم ينظرون إلى تركيا، حتى وقت قريب للغاية، نظرة اغتباط بصفتها نموذجاً للدولة المسلمة ببنيتها الديمقراطية – المحافظة، لكنها أضحت اليوم دولة المحظورات. وعلينا ألا ننسى أن صورة تركيا ستتأثر بالسلب كلما زادت المحظورات بها. ولهذا، يجب أن تعود تركيا – في أقرب وقت ممكن – إلى ديمقراطية المشاركة، وألا تقصي أحدًا من أبناء شعبها. وأن تتخذ من مبدأ سيادة القانون نبراسًا لها. ويستطيع رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو القيام بهذه المهمة فخبرته وتاريخه يسمحان له للقيام بذلك. وهذا بالطبع شريطة أن “ينسلخ” من ظل أفكار شخص آخر…
تركيا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تشهد موجة جديدة من إرساء دعائم الحقوق والحريات الأساسية. وإما أن تتحول إلى سجن كبير بإقرار المزيد من المحظورات. فالطريق الذي يجب سلوكه لمن يريدون أن يدخلوا التاريخ ويسجَّلوا من قبله واضح لا لبس فيه. فلن ترضخ تركيا لأن تكون دولة ديكتاتورية من الدرجة الخامسة. كما أن نظام الاستخبارات الذي يعجّ بالعملاء وفكرة استبداد الحزب الواحد يعتبران، بالنسبة لتركيا، كالقميص الذي يلبسه المجنون. فلا يكون لديكم أدنى شك في أنه لن يرتدي أحد في تركيا هذا القميص أبداً…
صحيفة” زمان” التركية