بقلم: شاهين ألباي
زرت الخميس الماضي مدينة سالونيك اليونانية التي أصبحت أكثر مدينة أتردد عليها خلال السنوات القليلة الماضية بغرض المشاركة في المؤتمرات المختلفة.
كانت زيارتي هذه المرة بقصد حضور مؤتمر حمل عنوان: “أزمة الشرق الأوسط” نظمته جامعة مقدونيا تحت عنوان: “العلوم السياسية والتاريخ والأنثروبولوجيا الاجتماعية والاقتصاد”. وتحدثت خلال المؤتمر حول إعادة وتيرة الاستبداد إلى تركيا، وتأثيرات الأزمة الحالية في منطقة الشرق الأوسط على الوضع في تركيا، حيث خاطبت، برفقة زميلين أكاديميين من جامعة بيلكنت في أنقرة، حضورًا غفيرًا في صالة ملأها أكاديميون وطلاب عن آخرها.
ويمكنكم أن تخمنوا أن معظم الأسئلة التي طرحها الحاضرون وُجهت إليّ بصفتي المتحدث التركي في المؤتمر. واندهشت مِن أن أحدًا لم يوجِّه حتى سؤالًا واحدًا حول سبب توقّف المفاوضات في قبرص. وحسبما فهمت، فإن اليونانيين كمثل الأتراك، فقدوا الاهتمام بالمسألة القبرصية. وأريد في هذا المقام أن أشير إلى بعض الأسئلة التي طُرحت عليّ وأن أسرد إجاباتها في عُجالة.
س: إلى أين تسير مفاوضات السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني؟
ج: من الواضح للعيان أن تركيا لن تنعم بالسلام والطمأنينة، ولن تستطيع المحافظة على وحدتها، من دون أن تعقد اتفاقية سلام مع الأكراد في الداخل والخارج. أما الأمر الأكبر الذي يشغل بال إدارة حزب العدالة والتنمية فهو حماية موقعه في السلطة، وبالتالي السعي من أجل عدم فقْد نصف أصوات الأكراد في الانتخابات. ومن هذا المنطلق، فالحزب يجري “مفاوضات السلام” استناداً إلى منطق “المفاوضات كل شيء والنتيجة لاشيء…” أما حزب العمال الكردستاني فيستغلّ هذه العملية لتعزيز قوته. ومن الصعب التخمين بنتيجة هذه العملية في الوقت الحالي.
س: هل حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي – سُني؟
ج: لم يعِدْ حزب العدالة والتنمية حين وصل إلى سدة الحكم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولم يدافع عن فكرة التخلي عن التعاون مع الغرب، بل إنه أجرى العديد من الإصلاحات في سبيل نيل عضوية الاتحاد الأوروبي. ولاتعتبر الإسلاموية أيديولوجية الحزب، بل يمكن اعتبار أيديولوجيته قومية دينية على أكثر تقدير. غير أن فكرته الأساسية هي المحافظة على موقعه في الحكم ومواصلة الاستفادة من نعمه، وبالتالي فعل كل ما يلزم لتحقيق ذلك. ويمارس الحزب أنشطة شعبوية إسلامية داخل تركيا، ويخاطب الأغلبية السُنية، هذا في الوقت الذي يدير حوارًا جيدًا مع إيران الشيعية في الخارج، وفي المقابل لم يبق أي حوار بينه وبين مصر ذات الأغلبية السُنية. وبينما كان صديقًا حميمًا لنظام بشار الأسد قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، أصبح اليوم عدوًا لدودًا له.
س: ما نسبة الدعم الذي يحظى بها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) في تركيا؟
ج: تشير استطلاعات الرأي إلى أن 80% من المجتمع التركي ينظر إلى داعش على أنه تنظيم إرهابي، فيما تبلغ نسبة من لايراه كذلك أقل من 10%، إلا أنه لا يمكن أن نقول إن كل هذه النسبة تشعر بقرب من التنظيم وتدعمه. فالإسلاموية الراديكالية المتشددة كانت دائمًا هامشية في تركيا.
س: كيف ترون مستقبل حزب العدالة والتنمية في السلطة؟
ج: لا شك أن الاقتصاد يلعب دورًا حاسمًا في بقاء الأحزاب في السلطة، سواء في تركيا أو في أي بلد آخر. لكن المجتمع التركي ليس مجتمعًا بدائيًا بالدرجة التي يعتقدها حزب العدالة والتنمية. فلا يمكن لشعب يعيش في بلد معارضته والمجتمع المدني به قويّان، أن يتحمَّل لفترة طويلة سلطة استبدادية تعسفية تلطخت يداها بالفساد. ربما يفوز الحزب بالانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن من المستحيل الانتقال إلى “النظام الرئاسي على الطراز التركي” الذي يحلم به أردوغان.
س: ماذا حدث لتحالف حزب العدالة والتنمية – حركة الخدمة المستلهمة لأفكار الأستاذ فتح الله كولن؟ (وهذا سؤال انتظرت طرحه من قِبل الحضور)
ج: نطلق اسم حركة الخدمة على حركة المجتمع المدني التي تتخذ من الإيمان أساسًا لها، والتي تشكَّلت من خلال إلهامات عالم الدين الأستاذ فتح الله كولن. ولا تعتبر الخدمة حركة تهدف لتحقيق أغراض سياسية، لكن لا ريب أن لها تأثيراً غير مباشر على السياسة الداخلية والخارجية بواسطة المؤسسات الوقفية والإعلامية والمدارس التي أسستها في شتى بقاع العالم. وقد قدمت الحركة الدعم لحكومة حزب العدالة والتنمية في أول فترتين لها في الحكم، كأول تصرف تقوم به ككل الذين أرادوا إنهاء الوصاية العسكرية وترسيخَ دعائم الديمقراطية الحرة في تركيا. وهذا بالضبط ما فعله العديد من منظمات المجتمع المدني. لكن لا يمكن لأحد أن يقول إنه كان هناك “تحالف سياسي” بين الحزب والحركة. ولو كان هناك تحالف بالفعل، لكان عدد لا يستهان به من نواب الحزب بالبرلمان ينتسبون إلى حركة الخدمة، ولكان هؤلاء النواب قد صوتوا بحجب الثقة عن الحكومة في بعض القضايا. وللأسف، فإن حزب العدالة والتنمية ينتهك دولة القانون متحججًا بمغالطة أنه تعرّض لـ”مؤامرة” من خلال التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة التي كُشف عنها يومي 17 – 25 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ولايتورّع عن تنفيذ عملية “مطاردة الساحرات” للنيل من حركة الخدمة.
صحيفة” زمان” التركية