نورية آكمان
وصلت مباحثات السلام مع حزب العمال الكردستاني إلى مرحلة المراقبة من قبل عين ثالثة (طرف ثالث) ،وستختار الحكومة 8 أشخاص كما سيختار زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان 8 أشخاص ليشهدوا المباحثات بين الطرفين، وهناك من يرى أن مراقبة العناصر المحلية لهذا الموضوع المهم بدلا عن دولة خارجية يضمن كون هذه المباحثات وطنية وشفافة. لكن ثمة علامات استفهام بسبب عدم تحديد المهام إلى الآن، ونحن لاندري ما إذا كانت التعديلات القانونية في هذا الصدد ستزيل الغموض أو لا.
قبل كل شيئ، هل سيحاسَب هؤلاء الأشخاص الذين يُطلق عليهم مصطلح” العين الثالثة” من قبل الذين منحوهم هذا الدور أو من قبل الرأي العام؟ وهل سيتم ضمان مطالب طرفي المباحثات من قبل هؤلاء الأشخاص؟ فإذا ادعى ممثلو حزب العمال الكردستاني أن الحكومة تعطل مسيرة السلام، في الوقت الذي سيدعي فيه ممثلو الحكومة أن طرف حزب العمال الكردستاني يطالب بمطالب تعجيزية فلن يكون هنالك فرق بين هذه المحاولة لتحقيق السلام وسابقاتها، وما هو مقدار المعلومات التي سيُسمح لنا بالاطلاع عليها؟ وهل سنحصل منهم على تقارير بشكل يومي؟
إن وجود العين الثالثة لايتطلب مجرد النظر إلى الأمر من الخارج فقط، بل إنه يوجب على أعضاء كلا الفريقين الثُمانيين أن يدرسوا مباحثات السلام بأدق تفاصيلها، وأن يكونوا مقربين من الطرفين بنفس المحبة والحساسية، كما نود أن نعرف مدى الحرية التي سيتمتع بها الأعضاء أمام أصحاب القرار من الطرفين. وهل سيتصرف أصحاب القرار كمخرجي الأفلام ليقولوا: “احذفوا هذا المشهد، وأضيفوا ذاك”؟ عندما يقومون بعمليات المونتاج. وحتى إذا تم تأمين الحماية القانوية لهم كيف سيتم تجاوز الضغوط النفسية.
وثمة مسألة أخرى تسبب الحيرة وهي اهتمام الطرف التركي فقط بالصبغة الوطنية لعملية السلام. فالوطنية لم تشمل الأكراد منذ بدء مباحثات السلام إلى الآن. فالدولة كانت تعامل الأكراد وكأنهم مكون ثانوي للمجتمع وليس مكونا أساسيا. ورأت أن قضيتهم تحل بمعالجة سريعة دون اللجوء إلى الحلول الجذرية. لكنها في نهاية المطاف وصلت إلى مرحلة ارتأت فيها الخروج من المعضلة بأقل الخسائر. ومما تسبب في ذلك حتما استخفافُ الدولة بالأكراد الذين رفضوا استخدام العنف، واعتبارها أن حزب العمال الكردستاني هو الممثل الوحيد للأكراد مع أنه تنظيم مسلح.
ليس هناك إجماع على اعتبار أي من القرارات قرارا وطنيا بسبب عدم وجود مبدأ الشفافية إلى الآن، وعدم اقتناع معظم أطياف المجتمع بالسلام. ولذلك سيكون من الصعب جدا تكليف الأعضاء الـ16 بمهمة التحكيم إضافة إلى مهمة الشهادة. وهل سيحدد مصير الشعب بالتصويت بين هؤلاء؟
إن تعريف مصطلح (العين الثالثة) قد يكون مضطربا أيضاً. فهو يُستخدم في أديان الشرق الأقصى ويُبنى على تأملات. ويُطلق عليه في ثقافتنا مصطلح “عين القلب”. ومكانها هو وسط الحاجبين، وتؤدي وظيفتها بعد سنوات من التمرين المصحوب بأمور أربعة وهي: الرابطة والنظر والذكر والصحبة. وإن آلية عمل عين القلب ليست الرؤية بل الإدراك. حيث إن عين العقل تضيء ما وراء المشهد، وبذلك يتم التوصل إلى كنه اللحظة عبر توزيع الأحداث على الماضي والحاضر والمستقبل ومن خلال تخلص الأشياء من الأشكال والمضامين، وتخلص الكلمات من معانيها الضيقة. وقليل من الناس يستفيدون من هذه الخدمة لأن الشرط الوحيد لمراجعة هؤلاء الناس هو تقبل النتيجة دون التحقق منها.
لذلك يمكنننا الآن الحديث عن شهود عملية السلام، ونتمنى أن ينجزوا مهامهم على الوجه الأمثل، ولكن لايمكننا أن نصفهم بالعين الثالثة. فهم سيكونون شهودا على هذا الأمر. والمواطنون سيكونون شهودا عليهم. وسيكون هنالك من أهلهم الله لمشاهدة العملية بواسطة المناظير التي ستخرج من بين حاجبي كل واحد منهم. وستكون مشاهداتهم عميقة من غير صوت يبوحون به، وقد لانشعر أصلا باطلاعهم المرهف على هذه العملية.
لنستخرج المقطعين الأخيرين من الوثائق لعدم دخولهما في إطار السياسة الواقعية، ثم لنسأل: من هم الذين سيكونون أفضل وأصدق وأحق الشهود في الجمهورية التركية في مرحلة بنائها من جديد؟ وهل سيتدخلون في المباحثات فضلا عن إخبارنا بما شاهدوه وسمعوه؟ وهل سترتعد فرائصهم من شعورهم بالمسؤولية أمام الحقيقة؟ وهل سيتغاضون عن الحقوق التي منحها الله لكل من الطرفين إن انتهك أحدهما حقوق الآخر؟ وأخيرا هل سيقولون أعدنا التلاحم بين الأتراك والأكراد ولله الحمد؟