حلمي ياوز
صحّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطأ تاريخيًا مهمًا للغاية خلال المؤتمر الأول للقادة الدينيين المسلمين بأمريكا اللاتينية الذي استضافته تركيا، وهو أن هناك ادعاء مفاده بأن كريستوفر كولومبوس هو الذي اكتشف القارة الأمريكية عام 1492م. بيد أن فريقًا من البحارة المسلمين وصلوا إلى القارة الأمريكية قبل كولومبوس بـ 314 عامًا، أي عام 1178م. حتى أن كولومبوس يتحدث في مذكراته عن وجود جامع على إحدى تلال ساحل كوبا”.
أريد أن أذكّر الرئيس أردوغان بأن مجلة أنقرة الشعبية التي تحمل اسم “أولكو” نشرت في عددها السابع عشر الصادر في شهر يوليو/ تموز عام 1934، أن الأتراك، (ولا تقول المسلمين)، هم الذين اكتشفوا القارة الأمريكية (وبطبيعة الحال كان هؤلاء الأتراك مسلمين، لكن التشديد هنا كان على كونهم أتراكا، وليس على إسلامهم). وكان هذا المقال يحمل عنوانَ “دور الأتراك في اكتشاف القارة الأمريكية” وكان المقال بتوقيع العقيد عبد الرحمن، بحيث يعتبر أحد الأمثلة النموذجية للمنهج الذي كانت تتبناه الأيديولوجية الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك) بهدف إرجاع فضل كل شيء إلى العرق التركي في سبيل إعادة كتابة تاريخ الأتراك وتصميم المجتمع التركي من جديد.
وتقدم المجلة مقال العقيد عبد الرحمن إلى قرّائها على النحو التالي: “حتى الدراسات التي قام بها علماء أجانب، وليس الأتراك وحدهم، تبرهن على وجود أدلة جديدة تثبت الخدمات الجليلة التي قدمها الأتراك للحضارة العالمية، وكذلك تبرهن على قدم العرق التركي وانتشاره”.
وقد قدمّت المجلة العقيد عبد الرحمن إلى قرّائها على أنه “العالم الجليل …. الخبير والمتخصص في مجال الجغرافيا والفلك” ،ويرى عبد الرحمن أن شخصا يدعى رودريجو أصر على كولومبوس قبل أن يخرج في رحلته على اصطحابه ضمن طاقم سفينته. ليجري ذلك الشخص “الغامض” إلى طاقم السفينة. وأثناء نشوب تمرد في سفينة الأمير التي سارت في البحار لفترة جاوزت الشهرين، عقد رودريجو لقاءً خاصًا مع كولومبوس، وأكد له أن “اليابسة ستظهر بعد ثلاثة أيام”! ليفاجأ الجميع بأن كلام رودريجو كان صحيحًا، إذ ظهرت اليابسة حقيقة!
ويشير العقيد عبد الرحمن إلى أنه بعدما أدرك كولومبوس أن رودريجو تركي يعتنق الإسلام سرًا، لم يمنحه المكافأة المالية التي كان يجب أن يحصل عليها بصفته أول من اكتشف القارة الأمريكية. لماذا؟ يخبرنا عبد الرحمن بأن إجابة هذا السؤال وردت في كتاب حمل عنوان “كريستوفر كولومبوس بعين بحّار” نشره القبطان الفرنسي شاركو عام 1928. ويروي شاركو أن كولومبوس قال إن “رودريجو لم يكن فردًا عاديًا في طاقمه، بل كان ينتسب إلى البحارة المسلمين. وعليه، لم أسلّمه المكافأة الموعودة لعدم رغبتي في منح شرف اكتشاف العالم الجديد إلى شخص مسلم بطريقة رسمية”.
حسنًا، كان رودريجو مسلمًا، لكن من أين كان واضحًا أنه كان تركيًا؟ فصحّة هذا الأمر مرتبطة بصحة أن اسم نياجرا يأتي من كلمة تركية”نه يايجارا”(معناه يا لها من ضجة)! وبحسب ما قاله العقيد عبد الرحمن،كان هناك شخص يدعى يوفان، أحد أفراد الطاقم، وكان يقف على سارية المراقبة بالسفينة عندما ظهرت اليابسة للمرة الأولى، فصاح قائلًا “اليابسة! لقد رأيت اليابسة!”، وحينها – من المحتمل – أن يكون رودريجو قد سأله باللغة التركية بقوله “(يوفان هاني Yuvan hani أين اليابسة يا يوان؟”. وعلى الرغم من أن كولومبوس أطلق اسم “San Salvador” على تلك الجزيرة، فإن العقيد عبد الرحمن يروي لنا، نقلًا عن المؤرخ ج. هاريس، أن السكان المحليين كانوا يطلقون على جزيرتهم اسم يوفاني “Guvanhani”. وبطبيعة الحال لا يمكن أن نعثر على دليل أقوى وأصح من هذا لإثبات أن رودريجو كان تركيًّا!
تدعي الأيدلوجية الكمالية أن القارة الأمريكية اكتشفها الأتراك، فيما يزعم الرئيس أردوغان أن المسلمين (العرب) هم الذين اكتشفوها! إذن، ما رأي الإسبان بشأن هذا الأمر؟
عندي رجاء صغير لدى السيد أردوغان: هلا أخبرتنا عن الوسيلة التي استخدمها البحارة العرب المسلمون حتى يصلوا إلى القارة الأمريكية عام 1178م؟
ولدي طلب آخر من وزارة الثقافة التركية: هلا تكرمت وترجمت مذكرات كولومبوس الموجودة في المكتبة الوطنية بالعاصمة الفرنسية باريس، والتي تحدث عنها العقيد عبد الرحمن، لنعرف هل من اكتشف القارة الأمريكية هو التركي المسلم رودريجو عام 1492م أم ذلك العالم العربي المسلم الذي يسمى أيضا عبد الرحمن عام 1178 كما تحدث السيد أردوغان؟!