علي يورطاجول
تشهد العلاقات التركية – الإيرانية في الوقت الراهن أحداثًا غير معتادة على الإطلاق، فبعدما فرضت إيران “ضرائب” على الشاحنات التركية بحجة شرائها وقوداً رخيص الثمن في إيران، ردّت تركيا على ذلك بفرض “رسوم العبور”، وهذا أمر غير مفاجئ، لكن المفاجئ هو ردّ إيران على هذا الإجراء الذي اتخذته تركيا، عن طريق مضاعفة الضرائب ضعفين. وردُّ تركيا برفع رسوم العبور ضعفين كذلك، الأمر الذي يشير إلى أن طهران رفضت تسلّم الرسائل التي أرسلتها أنقرة من خلال هذه الخطوة، ويبدو أن إشارة “الخطوة إلى الوراء” لطهران وشرط عدم شراء الوقود في إيران (وكيف سيراقبون ذلك؟) لم يحظيا بقبول في أنقرة، ولاشك في أن إمكان عبور الشاحنات إيران بخزان واحد من الوقود أمر يثير الفضول.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من الغريب أن يشاطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلاب جامعة مرمرة التركية تفاصيل لقائه مع مرشد الثورة الإيرانية آية الله على خامنئي، وأن يعرب عن غضبه جرّاء هذا اللقاء، ومن المعروف أن تفاصيل مثل هذه اللقاءات الثنائية لا تجري مشاركتها مع الرأي العام في معظم الأحيان، كما لم يناقش أحد حتى اليوم تفاصيل اللقاءات الثنائية التي جرت مع الزعيم الديني الإيراني.[/box][/one_third]على أية حال، بيع برميل النفط في الأسواق بسعر 80 دولارًا، في حين أنه من المفترض أن يباع بسعر 120 دولارًا وفق ما تقرّه الميزانية الإيرانية، لاسيما وأن النفط يعتبر مصدر الدخل الأول لإيران، قد ألحق ضررًا بدخل التجارة الخارجية لإيران، أضف إلى ذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة أصلًا على إيران.
إذا كانت هذه هي المشكلة الوحيدة بين البلدين، يمكن أن نقول إنها مسألة فنية. لكن من الغريب أن يشاطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلاب جامعة مرمرة التركية تفاصيل لقائه مع مرشد الثورة الإيرانية آية الله على خامنئي، وأن يعرب عن غضبه جرّاء هذا اللقاء، ومن المعروف أن تفاصيل مثل هذه اللقاءات الثنائية لا تجري مشاركتها مع الرأي العام في معظم الأحيان، كما لم يناقش أحد حتى اليوم تفاصيل اللقاءات الثنائية التي جرت مع الزعيم الديني الإيراني.
قال أردوغان إنه سأل هذا “الزعيم الديني” بقوله: “لماذا لا تتحدثون عن ربع مليون شخص قُتلوا في سوريا؟”، ثم التفت إلى طلاب جامعة مرمرة وقال: “هل تعرفون ماذا كان رده؟ كان كالتالي: “بشار الأسد هو العدو الوحيد لإسرائيل“، ثم كررت سؤالي، وأضفت بقولي “متى دافع الأسد عن شعبه؟ وماذا فعل ضد إسرائيل؟”. وهو ما يوضح لنا أن اللقاء لم يمضِ بشكل جيد بين الجانبين، ولم يكن مضمون الحوار بين الطرفين هو المثير في الموضوع، بل كان المثير هو مشاطرة أردوغان الرأي العام في تركيا خلافه مع خامنئي واستهدافه لهذا “الزعيم الديني“.
يمكن أن نفسر هذه الواقعة على أنها تعبير عن غضب أردوغان، كما شهدناه في السياسة التي انتهجها إزاء الوضع في مصر، ورؤيته غير المتوافقة مع موقف وزارة الخارجية التركية، وربما يكون أردوغان، الذي يعرف من أين تصدر القرارات في طهران، قد قصد عمداً مشاركة طلاب جامعة مرمرة غضبه إزاء هذا “الزعيم الديني” وانتقاده لسياسة إيران في سوريا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تدرك تركيا جيدًا أنها ستكون أكثر الدول الرابحة من نجاح المباحثات بين إيران والدول الغربية. وأنقرة، في حقيقة الأمر، تعاني من مشاكل مع الغرب لاختراقها العقوبات المفروضة على إيران منذ سنوات. أي أن اتفاق طهران مع الغرب سيصب بكل جوانبه في صالح أنقرة، ويمكننا أن نزيد بقولنا إن تركيا عليها أن تستغل جميع الإمكانات المتاحة لديها في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي في إيران.[/box][/one_third]ومع أن مبادرة إيران السابحة فوق بحر من النفط إلى افتعال مشكلة بسبب نقل بضعة مئات من الشاحنات الناقلة للوقود غير مفهومة بسهولة، إلا أن التوقيت ليس مناسبًا على الإطلاق، من عدة جوانب، لحدوث هذه الواقعة “غير المستساغة” في العلاقات التركية – الإيرانية.
يعرف أردوغان كذلك أن إيران تريد أن تتفق مع مجموعة 5+1 (الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن + ألمانيا) قبل تاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، الموعد النهائي للاتفاق بين الجانبين، وأنها تبذل جهودًا حثيثة في سبيل إيجاد حل ولو جزئي. ويبدو أن الطرفين يبحثان عن حل، ولاشك أن الوقت لا يزال مبكرًا للتشاؤم، لكن يمكننا أن نقول إن الانتخابات الأمريكية الأخيرة لم تقوِّ سلطة أوباما، وأنها لم تسهّل توقعات إيران بشأن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وللأسف فإن السياسيين في الشرق الأوسط يستخفون عادة بـ”عامل الوقت” في المجال السياسي، ويستيقظون من سباتهم العميق، في كثير من الأحيان، بعد فوات الأوان، أما نحن فنعتقد أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق ملموس مع إيران، فإن أوباما لن يعاني كثيرًا في الكونجرس ومجلس الشيوخ، وهذا بطبيعة الحال شريطة أن يستطيع طرح شيئ “ملموس” و”موثوق به” على طاولة المفاوضات.
تدرك تركيا جيدًا أنها ستكون أكثر الدول الرابحة من نجاح المباحثات بين إيران والدول الغربية. وأنقرة، في حقيقة الأمر، تعاني من مشاكل مع الغرب لاختراقها العقوبات المفروضة على إيران منذ سنوات. أي أن اتفاق طهران مع الغرب سيصب بكل جوانبه في صالح أنقرة، ويمكننا أن نزيد بقولنا إن تركيا عليها أن تستغل جميع الإمكانات المتاحة لديها في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي في إيران، وبما أن تدهور الأوضاع الداخلية في إيران، مثل الوضع السوري، يعني كارثة بالنسبة كذلك لتركيا، فيجب على أنقرة أن تبذل ما بوسعها لتحقيق الاستقرار السياسي في طهران. كما أن تركيا تعرف أن قطع مسافة كبيرة في الطرق نحو التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني مع مجموعة 5+1، يعتبر أولى الخطوات المهمة بالنسبة لتحقيق الاستقرار في إيران. أما الاستقرار الدائم في إيران فيمكن تحقيقه من خلال وتيرة تحول ديمقراطي تفعّل إرادة الشعب ومصالحه، وتقضي على استغلال “الحرس الثوري“ للمجتمع الإيراني، ولاريب في أن هذا الأمر قابل للتحقق، وإن لم يكن سهلًا، ويمكنكم أن تثقوا بأن وزارة الخارجية التركية مدركة لهذا الأمر، ولهذا السبب لا يفهم أحد بالضبط مصدر توتر العلاقات التركية – الإيرانية في هذا الوقت غير المناسب، أو نحن لانحيط بأبعاد المشكلة…