طورخان بوزكورت
ياليت القضية التي تشغل الاقتصاديين في تركيا كانت ذات أهمية كبيرة! حيث يزعمون أن نصيب الفرد من الدخل القومي لم يزد على 10 آلاف دولار منذ عام 2008، وستقع تركيا في مصيدة الدخل المتوسط إن لم تتخذ التدابير اللازمة بشكل فوري.. هل تعتبرون ذلك مشكلة تستعصي الحلّ؟! أليس حزب العدالة والتنمية قادراً على إيجاد حيلة للخروج من هذا المأزق؟ لاسيما وأنه مرّر العديد من الحزم القانونية في البرلمان في ظلمة الليل الحالكة! فالأمر لايتطلّب أكثر من إصدار تعليمات إلى معهد الإحصاء التركي: غيّروا طريقة حساب الدخل القومي!
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لايمكننا أن نحدد بالضبط النجاح الاقتصادي الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية دون أن نحسب نصيب الأرقام التي ضخّمها معهد الإحصاء التركي في الأداء الاقتصادي في الفترة ما بين عامي 2003 و 2014، وإذا نظرنا فقط إلى النصف المملوء من الكوب، سنبقى عطشى دون ماء.[/box][/one_third]أريد أن أذكّر الذين يجهلون كيف أن معهد الإحصاء التركي ماهر في إعطاء التعليمات حقها، بعام 2008 عندما حدث تلاعب وأُدخل تعديل على الدخل القومي، ليرتفع من 400 مليار إلى 526 مليارًا و429 مليون دولار، أي أن الدخل القومي لتركيا زاد بين ليلة وضحاها بنسبة 31.6 %. وعليه، فقد ارتفع نصيب الفرد من الدخل القومي من 7 آلاف و502 إلى 9 آلاف و333 دولارًا. وعندما سمع المواطنون هذا الخبر، ظنوا أن حساباتهم المصرفية تلقت زيادة قدرها ألف و831 دولارًا، فهرعوا إلى فروع المصارف، ليرد عليهم معهد الإحصاء بقوله: لا تزعجوا مسؤولي المصارف والشركات لو سمحتم؛ إذ إن الزيادة المفاجئة في الدخل القومي هي عملية روتينية!
لاشك في أن المطالبة بإدخال هذا النوع من التعديلات على الورق موجود في غريزة الحكومات، فلاداعي للحماسة؛ إذ إنكم دخلتم إلى السرير وأنتم فقراء، ثم أصبحتم أغنياء بينما كنتم تستغرقون في النوم! وسرعان مارجعتم فقراء عندما استيقظتم، ويكفينا أن تكون أرقامنا مصدرًا للتباهي والمفاخرة بين الأمم!
لايمكننا أن نحدد بالضبط النجاح الاقتصادي الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية دون أن نحسب نصيب الأرقام التي ضخّمها معهد الإحصاء التركي في الأداء الاقتصادي في الفترة ما بين عامي 2003 و 2014، وإذا نظرنا فقط إلى النصف المملوء من الكوب، سنبقى عطشى دون ماء.
لا أحد يتقدّم إلا البلدان التي تدرك الفروق التسعة بين التصور والحقيقة، وتقوم بكل مايلزم حيال الحقيقة، ففي خلال الفترة التي ذكرناها ارتفع الدين المحلي للقطاع العام في تركيا بمعدل 160 مليار دولار، فيما ارتفع إجمالي الدين الخارجي بواقع 250 مليار دولار، وإذا أضفنا ديون قروض المواطنين البالغة 150 مليار دولار، يمكننا أن نقول إن تركيا أصبحت مسحوقة تحت مقدار كبير للغاية من الديون.
وفي الوقت الذي زادت فيه الديون بهذه الصورة، تضاعفت الديون على الرغم من الدخل الذي بلغ 55 مليار دولار الوارد من عمليات خصخصة المؤسسات والأراضي التابعة للقطاع العام. وصار من نصيب حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة بيع ما أنشأته الحكومات السابقة بشقّ الأنفس متحدّية الحروب والأزمات والحصار المفروض بسبب قضية جمهورية شمال قبرص التركية. وبالرغم من ذلك، لم تتراجع الديون، بل تضاعفت، بحيث زاد إجمالي الدين العام وديون المواطنين 3.4 أضعاف منذ بداية عام 2003 وحتى نهاية عام 2013.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الشعب التركي وقع في مصيدة الدخل المتوسط، لدرجة أن تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5% فما فوق، دون خفض الديون، يبدو أنه مستحيل. كما لن يكون من السهل الوصول إلى أموال الديون خلال المرحلة الجديدة. وكلما زادت الفوائد الأمريكية، ستتواصل قيمة الدولار في الارتفاع، وللأسف، فإن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في تركيا لايعتبر مؤقتًا.[/box][/one_third]وعلى الرغم من زيادة تعداد السكان بواقع 6 ملايين نسمة، ارتفع نصيب الفرد من الديون من 3 آلاف إلى 9 آلاف و400 دولار، وفي الوقت الذي زاد فيه نصيب الفرد من الدخل القومي بمعدل 7 آلاف و315 دولارًا، ارتفع نصيب الفرد من الدين بواقع 6 آلاف و400 دولار.
لقد نمت تركيا عن طريق الاستدانة و”الأكل من المستقبل”، ولنزل قليلًا الغشاء من على النمو الذي طرأ على وفرة المال، لنرَ كيف كشّرت المشاكل عن أنيابها!
إن الشعب التركي وقع في مصيدة الدخل المتوسط، لدرجة أن تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5% فما فوق، دون خفض الديون، يبدو أنه مستحيل. كما لن يكون من السهل الوصول إلى أموال الديون خلال المرحلة الجديدة. وكلما زادت الفوائد الأمريكية، ستتواصل قيمة الدولار في الارتفاع، وللأسف، فإن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في تركيا لايعتبر مؤقتًا.
لو كانت الحكومة التركية قد طلبت من معهد الإحصاء الوطني تأسيس نمو دائم وحقيقي من جديد، عوضًا عن المطالبة بدعم الأوهام ابتداءً من عام 2008 الذي شهد احتكار الحكومة للقطاع الاقتصادي، لما كانت قد اضطرت اليوم إلى المغامرة باللجوء إلى الحيلة ذاتها من جديد، ولو كانت استثمرت مليارات الليرات في القطاعات الحيوية، بدلًا من إنفاقها على إنشاء القصور الفخمة وشراء الطائرات والسيارات الفارهة، لما كان يمكن لأحد أن يخدع 77 مليون مواطن بوعد الثراء “بين ليلة وضحاها”، هذا فضلًا عن وجود أمراض معنوية لا تنعكس على الجدول المالي في تركيا، وهذا ما تسبب في أن تخفت نيران تلك الحماسة التي كانت مسيطرة على رجال الأعمال والمستثمرين في الماضي. فتجد موظفي الدولة يمرّون على المصانع ويفرضون إجراءات وغرامات تعسفية على أصحابها. كما يلحق الضرر بالأشخاص والشركات من خلال عمليات التصنيف بحسب الانتماء التي تعتبر جريمة دستورية بكل المقاييس. وفي ظل أجواء كهذه، لا يمكن للتلاعب بالكلمات أو الأرقام أن يلهب حماس الجماهير مجددًا.
فليرفع معهد الإحصاء التركي الدخل القومي كيفما شاء، فلا يمكن أن يسعَد شعب بثراء ليلة واحدة.