علي بولاج
بعد أن نَعَت البعضُ أهل السُنة بأنهم “خصوم أو آخرون” بالنسبة للعلويين، بدأ العلويون يفكرون على النحو التالي: “المذهب العلوي يعد خارج نطاق المذهب السُني الذي يعتبر – بدوره – المذهب الرسمي والرؤية الدينية للدولة في تركيا، كما أن أهل السُنة يعارضون تنفيذ الحكومة لمطالب العلويين، ويتحمّلون مسؤولية الظلم الذي تعرّض له العلويون في الماضي، ولا شك في أن رئاسة مؤسسة الشؤون الدينية السُنية لايسعنا اهتمامها”.
إن مَن يقلّلون من قيمة أهل السُنة في أعين العلويين، حوّلوا مشاكل العلويين مع الدولة في تركيا إلى سبب مواجهة مع السُنة ومشاجرة فيما بينهما، وكأن المذهب أو أهله هم المسؤولون عن كل ما عاناه العلويون على مر التاريخ.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن مَن يقلّلون من قيمة أهل السُنة في أعين العلويين، حوّلوا مشاكل العلويين مع الدولة في تركيا إلى سبب مواجهة مع السُنة ومشاجرة فيما بينهما، وكأن المذهب أو أهله هم المسؤولون عن كل ما عاناه العلويون على مر التاريخ.[/box][/one_third]كان هذا الإقصاء خطأ وظلمًا وكانت وراءه خطة مدروسة، ذلك أن الدولة تعتبر جهازًا نرجسيًا، يعشق كيانه الذاتي، وبعيدٌ عن السُنة بقدر ما هو بعيد عن العلويين، يضاف إلى ذلك أن الدولة لا تثق إلا بنفسها، وتتخذ كيانها أساسًا لتحركاتها، وفي الوقت الذي ألغت فيه الدولة التصور العالمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، (وهما المرجعان الأساسيان للمذهب السُني)، ونظرتهما العالمية وأحكامهما الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، استغلت في نفس الوقت الكيان الأساسي في الشعب (أهل السنة) كعنصر داعم للدولة من خلال تلقينهم بأنهم هم العنصر الأصلي والمؤسس للدولة، وبفضل هذا الوعي المصطنع لديهم من طرف الدولة، أصبح أهل السُنة حماة سياسة علمانية مناقضة للدين بدافع السعادة والثقة الكبيرة تنجم من حس امتلاكهم لدولة متعارضة مع روح الدين، كما دعوا في كل خطبة من خطب الجمعة من أجل بقاء السلطة الحالية، ومرّت الأيام إلى أن دخلت الدولة في بدن أهل السُنة وأصبحت تجري منهم مجرى الدم في العروق، وأصبح الدفاع عن الظلم وانتهاك الحقوق كالدفاع عن البقاء بالنسبة لهم، وفيما أبدوا تسامحًا مع الظلم والجرائم مجهولة الفاعل وفضائح الفساد والرشوة وقمع المعارضين والتعذيب والانقلابات وقادتها، لم يتذكروا أن يسألوا لماذا نُفي شيوخ الطرق الصوفية السُنية وعلماؤها مع وقوع كل انقلاب عسكري، ولماذا سُجن آلاف الأشخاص الذين لم تكن لديهم جريمة سوى قراءة رسائل النور التي كتبها الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، ولماذا جرى تعذيب آلاف آخرين، ولماذا عانى أناس كثيرون بسبب المواد القانونية مثل المادة 163 المشهورة ( التي تمنع كل نشاط ذي طابع ديني ) ولماذا تسبب هذا النظام المبني على السلب والنهب في إفقار ملايين الناس في تركيا، فانتساب الدولة إلى المذهب السُني كان بمثابة عملية تخديرية للوعي السُني، وهو الوضع القائم كذلك إلى الآن.
والوضع نفسه ينطبق على العلويين؛ إذ إنهم في الوقت الذي كانوا فيه مستغرقين في حل مشاكلهم، لم يخطر على بالهم أن يطرحوا أسئلة من قبيل: “لماذا يعتبر السُنة الجهة المقابلة للعلويين؟ لماذا المذهب السُني هو المذهب الرسمي للدولة؟ لماذا كان هذا المذهب والمنتسبون له هم السبب في الظلم التاريخي الذي تعرّض له العلويون؟” فهُم كذلك – أي العلويون – قبلوا طواعية أن يكونوا مادة للاستفزاز في إطار وجهة نظر استبدادية واسعة النطاق، بالضبط كما كان أهل السُنة.
إن الدولة في تركيا تحافظ على كيانها قائمًا بفضل تصوير السُنة والعلويين كأنهم أعداء لبعضهم البعض، ولهذا السبب، فإن النظام القائم بين هذين المذهبين خطأ وظلم ويحرض على تأجيج نيران الصراعات بين الطرفين.
لم تمهّد الدولة التركية للعلويين أرضية مناسبة من أجل ممارسة شعائرهم ولم تمنح لهم فرصة ليتعلموا كيفية التعايش في المدن الحديثة، لكنها فضلت السكوت بشأن تطابق وتماثل المذهب العلوي مع العناصر الأسطورية والفولكورية. ذلك أن المذهب العلوي الأسطوري والفولكوري قابِل للاستخدام من أجل تنفيذ أنواع المناورات السياسية كافة، فطالما يجري تصوير الإمام علي – رضي الله عنه – على أنه “شخصية أسطورية”، فلن يلحق أدنى ضرر بـ”نظام معاوية”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نحن اليوم، كأهل سُنة وعلويين، نواجه جهازًا عدوانيًا واحتكاريًا يسمى الدولة، ولايمكن لأي مذهب أو معتقد أن يكون العنصر الأساسي أو النموذج الفلسفي الثابت للدولة التي تعتبر – بدورها – جهازًا يتمركز تحت مظلته القوة والسلطة مجتمعتيْن، فمن يسيطر على الدولة، يستغل قوتها وسلطتها، ويسعى لسحق الآخرين، وعليه، فإن الكفاح المشترك بين أتباع المذاهب المختلفة يسمح بترويض هذا “الوحش الكاسر” وجرّه إلى داخل دائرة القانون.[/box][/one_third]يعتبر العلويون، كما هو الحال بالنسبة لأهل السُنة المعاصرين، نتاج المدن الحديثة ونتاج الهجرة إليها، فالطقوس والعناصر الفولكلورية والخطابات الأسطورية التي أوجدت المذهب العلوي في الماضي، لا تستطيع الصمود في المدينة العصرية، كما أنها تعيش حالة من التحلّل، وبالرغم من ذلك، فإن العلويين يحتاجون إلى مرجعية قوية من أجل إمكانية المحافظة على معتقداتهم، وهذا موجود في المصادر المكتوبة. وإن لم تكن السلطات السياسية قد لعبت دورًا مثبطًا في هذا الإطار، كان بمقدورها أن توجِد نقطة التقاء محددة بين السُنة والعلويين في سبيل سد حاجة كلا الطرفين إلى البحث عن المصادر بمرور الوقت.
نحن اليوم، كأهل سُنة وعلويين، نواجه جهازًا عدوانيًا واحتكاريًا يسمى الدولة، ولايمكن لأي مذهب أو معتقد أن يكون العنصر الأساسي أو النموذج الفلسفي الثابت للدولة التي تعتبر – بدورها – جهازًا يتمركز تحت مظلته القوة والسلطة مجتمعتيْن، فمن يسيطر على الدولة، يستغل قوتها وسلطتها، ويسعى لسحق الآخرين، وعليه، فإن الكفاح المشترك بين أتباع المذاهب المختلفة يسمح بترويض هذا “الوحش الكاسر” وجرّه إلى داخل دائرة القانون، فإذا كانت الدولة سُنية فستبتلع العلويين، وإن كانت علوية فستسحق السُنة.
إن مشكلة العلويين ليست مع أهل السُنة، بل مع الدولة، حيث تتلخّص هذه المشاكل في إثارة النقاش حول إضفاء الصبغة الرسمية على بيوت الجمع للعلويين ( أماكن عبادة وتجمع خاصة بهم)، أما رأي أهل السنة في هذه القضية فهو أمر يرجع إليهم، ويجب على العلويين أن يطالبوا بتحقيق مطلبهم هذا من الدولة، وليس من أهل السُنة، وإذا كان بعض أهل السُنة يعارضون تنفيذ هذه الخطوة، فذلك لأنهم يعتقدون أنهم قد اتحدوا مع الدولة وصاروا شيئًا واحدًا، إلا أنه سيأتي اليوم الذي ستكشّر فيه الدولة عن أنيابها في وجوههم أيضا.