علي أونال
طالت انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الهواتف المحمولة أيضاً، وكان قد هاجم قبل ذلك مسلسل القرن الذهبي (حريم السلطان)، وعمليات الإجهاض، والنزل الطلابية المختلطة، لكن هذه الانتقادات والهجمات لم تسفر عن نتيجة إيجابية، كما أننا متيقنون من أن هجومه الأخير على الهواتف المحمولة لن يسفر عن أية نتيجة إيجابية كذلك.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان أردوغان يتحدث، عندما بدأت مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، عن رفع الحصانة عن بعض نواب حزب السلام والديمقراطية بالبرلمان، وعودةِ عقوبة الإعدام من جديد، إلا أننا جميعاً نعلم أنه أطلق مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني بعد هذه التصريحات مباشرة.[/box][/one_third]يعتبر أردوغان هو السياسي الوحيد الذي انتشرت مقاطع مصورة خاصة به على الإنترنت تحمل عنوان “أردوغانان ورئيس وزراء واحد”، إذ كان قال في أغسطس/ آب عام 2010 : “من يدّعي أننا نتفاوض مع التنظيم الإرهابي (منظمة حزب العمال الكردستاني) ،سافل ومفترٍ” ،غير أننا فهمنا بعد ذلك أنه كان يتفاوض معهم منذ 4 سنوات، وقال في العام نفسه بمدينة بينجول الواقعة شرق تركيا: “يقول زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في كتابه: “لقد حاربت الإله، وانتصرت عليه، وأصبحت إله نفسي”، تعالوا لنقلبْ هذه اللعبة ونفسدْها”، لكن اتضح بعد ذلك أنه يخطط و”يتكتك” مع أوجلان منذ 4 سنوات قبل إدلائه بهذا التصريح.
كان أردوغان يتحدث، عندما بدأت مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، عن رفع الحصانة عن بعض نواب حزب السلام والديمقراطية بالبرلمان، وعودةِ عقوبة الإعدام من جديد، إلا أننا جميعاً نعلم أنه أطلق مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني بعد هذه التصريحات مباشرة.
ينقل الإمام علي – رضي الله عنه – قول النبي صلى الله عليه وسلم : “إنِّي لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِنًا، وَلا كَافِرًا، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَحْجُزُهُ إِيمَانُهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَقْمَعُهُ كُفْرُهُ، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْهِمْ مُنَافِقًا، عَالِمَ اللِّسَانِ، يَقُولُ مَا يَعْمَلُونَ وَيَفْعَلُ مَا يُنْكِرُونَ” ، وحتى إن لم يفعل الإنسان هذا بصفته منافقًا، فإن القرآن الكريم يقبّح هذا التصرف بشدة ولو كان من المؤمن، فيقول سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (2 – 3 / سورة الصف).
نلاحظ أن أردوغان يقول أحيانًا أشياء متضادة ومتناقضة تتعلق ببعض القضايا المهمة بالنسبة لتركيا، لدرجة أن الواحد منا يتساءل: “هل يا ترى هناك من ينبّه أردوغان لما هو صواب، فيغيّر أفكاره وقراراته؟”. ففي شهر نوفمبر/ تشرين الأول عام 2012 أدلى بتصريح بشأن منظومة الدرع الصاروخي التي كان سينشرها حلف شمال الأطلسي (ناتو) داخل الأراضي التركية، حيث قال: “لا يوجد شيء من هذا القبيل!”، ثم قال بعد ذلك: “يجب أن تكون تركيا هي المتحكمة في هذه المنظومة!”، وبعدها صرح بقوله: “أراضي تركيا هي أراضي الناتو، وقلنا إنه يجب أن يكون الحلف هو المتحكم بهذه المنظومة” ،وبعد أن كان صرح غاضبًا بشأن إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا بقوله: “هل يجب على الناتو التدخل في ليبيا؟ هل هناك هراء كهذا؟ ما الذي يدفع الناتو للإقدام على خطوة كهذه؟”، وسرعان ما أدلى بتصريح مناقض تمامًا قال فيه: “يجب على حلف الناتو أن يدخل ليبيا كي يثبت أن الأراضي الليبية ملكًا لليبيين”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يربط علماء النفس ظاهرة جنون الاستهلاك بالشعور بعدم الرضا والعُقد والفراغات الداخلية التي تبحث عن الطمأنينة والرضا، نعم، نعترف بأن جنون الهواتف المحمولة يشير إلى عقدة وفراغ داخلي، غير أنه إلى أي عُقد وفراغات داخلية تشير الفيلات الفاخرة والقصور الفارهة والأموال الطائلة؟[/box][/one_third]أقول إن تصريحات أردوغان بشأن الهواتف المحمولة سيعفي عليها الزمن وستكون شيئاً من الماضي، كما هو الحال بالنسبة لتصريحاته المشابهة، ويلخّص لنا المفكر الكيني الراحل علي المزروعي عملية الحداثة وصفتها في العالم الإسلامي، بما في ذلك تركيا، في هذه النقاط الأربع:
1 – التمدن دون التصنيع.
2 – عدم تنشئة أيد عاملة مدربة قادرة على الإنتاج، والتعليم القائم على الحفظ دون الفهم.
3 – عدم تطوير العقلية العلمية والانهيار الديني.
4 – الجشع والاستهلاك الرأسمالي دون أن يكون لدينا الانضباط الرأسمالي.
وللأسف فإن فترة حكم حزب العدالة والتنمية المستمرة منذ 12 عامًا، تجسد هذه المعضلات الأربع، حيث نشهد أن هذه الأمراض الأربعة قد أحكمت قبضتها على تركيا، لاسيما بعد انتهاء ثلاث فتراتٍ أمضاها الحزب في الحكم انتهت كل واحدة منها بمشاكل سياسية واقتصادية كبيرة.
إن حزب العدالة والتنمية، الذي قاده أرودغان على مدار الفترة الماضية، نجح في الفوز بالانتخابات التي خاضها – للأسف – من خلال هذه الديناميات السلبية من الأساس.
تعيش تركيا حالة من جنون الاستهلاك؛ إذ إن حزب العدالة والتنمية يحرّض على هذا الجنون من خلال مشاريعه الإنشائية، ومراكزه التسوقية، و”مشاريعه المجنونة”، وحتى فضائح الفساد، ولاشك في أن الهواتف المحمولة تمتلك مكانة مهمة ضمن موجة الاستهلاك الجنونية التي تجعل حزب العدالة والتنمية يقف على قدميه، فترى الجهات المعنية تمتدح بقولها: “كنا نستورد 16 مليون هاتف محمول في العام، فاتخذنا تدابيرَ مكنتْنا من رفع إنتاجنا المحلي حتى وصل عام 2013 إلى 1.4 مليون هاتف مقارنة بـ200 ألف فقط عام 2009”.
ويربط علماء النفس ظاهرة جنون الاستهلاك بالشعور بعدم الرضا والعُقد والفراغات الداخلية التي تبحث عن الطمأنينة والرضا، نعم، نعترف بأن جنون الهواتف المحمولة يشير إلى عقدة وفراغ داخلي، غير أنه إلى أي عُقد وفراغات داخلية تشير الفيلات الفاخرة والقصور الفارهة والأموال الطائلة؟ لكن وسائل الإعلام – للأسف – تناقش هذا النوع من تصريحات أردوغان الغاضبة لأيام طويلة، وتكون بذلك قد أسدلت ستاراً على أفعاله وإجراءاته المتناقضة مع مضمون تلك التصريحات.