بقلم: عبد الحميد بيليجي
تعرّض المسجد الأقصى، أول قبلة للمسلمين، لاعتداء غاشم من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكانت رحلة المعراج التي قام بها نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – قد بدأت من هذه البقعة المباركة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن ما يحدث في القدس وفي كل ركن من أركان العالم الإسلامي، ليس سببًا، بل هو نتيجة للحالة المزرية التي وصل إليها المسلمون اليوم، جرّاء البعد عن الأخلاق والعلم والعدل والقيم الإنسانية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك الشقاء والإسراف والجهل وما إلى ذلك… فهل هناك أية قيمة يمكن أن يتعلمها العالم اليوم من المسلمين في أي مجال كالتعليم والأخلاق والاقتصاد والسياسة؟[/box][/one_third]وإنْ كانت قبلة المسلمين اليوم هي الكعبة في مكة المكرمة، فإن القدس تتمتع بأهمية وقداسة كبيرتين لدى المسلمين، كما هو الحال بالنسبة لليهود والنصارى، على حد سواء، وتعتبر القدس اليوم، كما كانت في جميع مراحل التاريخ، مرآة تعكس حال الأمة الإسلامية، كما كانت مدينة السلام في العصور التي كان يشار إلى المسلمين فيها بالبنان في مجالات العدل والعلم والأخلاق والاقتصاد والقوة العسكرية، وكان جميع المنتسبين إلى الديانات السماوية، وليس المسلمين فقط، يعيشون في سلام وطمأنينة في ظل مفهوم العدالة الذي كان حاكمًا في المدينة.
لقد وصل الخليفة عمر – رضي الله عنه – القدس لاستلام مفاتيحها، وكان يمتطي جملًا بالتناوب مع خادمه، على الرغم من أنه كان يحكم دولة ربما كانت تفوق مساحتها 20 ضعف مساحة تركيا اليوم، وكان الخليفة يخيط أي قطع يصيب ملابسه في أثناء الرحلة، وعندما طُلب منه أن يصلي في مكان مقدس لدى النصارى، آثر الصلاة في زاوية خارج هذا المكان خشية أن يتخذه المسلمون مسجدًا من بعده.
لقد تواصلت هذه الروح الإنسانية الراقية التي غذّاها الإسلام، بشكل كبير في ظل الحكم العثماني للقدس على مدار أربعة قرون، حيث كانت الدولة العثمانية تتعامل بحساسية واحترام مع المنتسبين إلى المعتقدات المختلفة بالقدس لدرجة أن العثمانيين جعلوا كلمة التوحيد، التي تعتبر المبدأ الأساسي في الإسلام، متوافقة مع هوية القدس متعددة الديانات، وقد كتب العثمانيون على أسوار المدينة “لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله” بدلًا من “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. وكان اتخاذ سيدنا إبراهيم – عليه السلام –، الأب المشترك للديانات الثلاث، مرجعية لسكان القدس، تأكيدًا لنقاط الوحدة ودرءًا للفُرقة.
حتى حكام إسرائيل، التي تحتل القدس منذ عام 1967، اعترفوا بهذه الحقيقة أكثر من مرة، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، الذي كان يشتكي من المشاكل الأمنية اللامتناهية في المنطقة عن الإدارة العثمانية إلى الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل: “كان بإمكان عرّيف عثماني متواضع الرتبة العسكرية أن يدير القدس بأمان وسلام بمساعدة قوة عسكرية قوامها 20 جنديًا فقط”.
وتظهر هذه الواقعة التي حكاها وزير الخارجية التركي الأسبق حكمت تشتين، كيف أن حال المسلمين ينعكس بالإيجاب أو السلب على القدس. كما يروي رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الفترة التي جرت فيها الزيارة، هذا المشهدَ الذي واجهه برفقة وزير الخارجية التركي الأسبق تشتين، حيث قال: “ذهبت إلى بلدة يهودية على الحدود المصرية، فرأيت رئيس بلدية يهودي يشنّ هجومًا على العرب وإسرائيل على حد سواء، فقلت له: “تنتقد الجميع، فماذا تريد؟”، فأجابني بقوله: “أريد عدل العثمانيين!”.
مما لا شك فيه أن هجوم جنود الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى وتدنيسهم أرضيته بأحذيتهم، يعتبر إساءة قبيحة وهمجية، يضاف إلى ذلك أن هذا الهجوم لاتقرّه الإنسانية أو القانون أو الأخلاق، فضلا عن مبادئ الدين الأساسية، وقد روى عزام الخطيب، المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية التي تدير شؤون المسجد الأقصى، تفاصيل هذا الهجوم الغاشم الذي أغضب المسلمين كافة، بقوله: “هاجم نحو 300 جندي إسرائيلي المسجد الأقصى، فيما دخل عدد منهم، بأحذيتهم، المنطقة التي يوجد بها المحراب والمنبر داخل مسجد القبلتين”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن هذا المشهد المؤلم ينعكس على مرآة المسجد الأقصى منذ عصور، ويشدد المفكرون الكبار أمثال محمد عاكف أرصوي، وبديع الزمان النورسي، ومالك بن نبي، وفتح الله كولن، على ضرورة أن نبحث عن العدو داخلنا وداخل أمراضنا أولًا، ولكن للأسف، عوضًا عن أن نستمع إليهم وإلى نصائحهم، نعاملهم معاملة الخونة والإرهابيين، ونظل واقفين في أماكننا دون تحقيق أي تقدم.[/box][/one_third]صدرت بيانات إدانة لهذا الهجوم من تركيا وسائر الدول الإسلامية، ونُظمت المظاهرات، وأُحرقت الأعلام الإسرائيلية، وهذه الأحداث تعتبر ردود فعل ضرورية إزاء هجوم استفزازي. ولهذا السبب، فإن هذه المشاهد المتكررة دائمًا عندما يحدث هجوم على القدس أو قطاع غزة، لا تحول دون وقوع الظلم على الفلسطينيين.
واليوم يحكم تركيا مَن كانوا قد اتهموا، في السابق، الحكومات التركية، بل حتى النظام السائد في البلاد بشكل عام، بالتعاون مع إسرائيل، فهُم ينشرون بيانات إدانة شديدة اللهجة، لكن شيئًا لم يتغير، وفي الواقع، كان مَن يحكمون تركيا، وكذلك زعماء سائر البلدان الإسلامية الأخرى، يصدرون بيانات إدانة غير مجدية ردا على الهجمات الإسرائيلية.
ولا ريب في أن هذه البيانات لا تفيد في شيئ، ذلك أن ما يحدث في القدس وفي كل ركن من أركان العالم الإسلامي، ليس سببًا، بل هو نتيجة للحالة المزرية التي وصل إليها المسلمون اليوم، جرّاء البعد عن الأخلاق والعلم والعدل والقيم الإنسانية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك الشقاء والإسراف والجهل وما إلى ذلك… فهل هناك أية قيمة يمكن أن يتعلمها العالم اليوم من المسلمين في أي مجال كالتعليم والأخلاق والاقتصاد والسياسة؟
إن هذا المشهد المؤلم ينعكس على مرآة المسجد الأقصى منذ عصور، ويشدد المفكرون الكبار أمثال محمد عاكف أرصوي، وبديع الزمان النورسي، ومالك بن نبي، وفتح الله كولن، على ضرورة أن نبحث عن العدو داخلنا وداخل أمراضنا أولًا، ولكن للأسف، عوضًا عن أن نستمع إليهم وإلى نصائحهم، نعاملهم معاملة الخونة والإرهابيين، ونظل واقفين في أماكننا دون تحقيق أي تقدم، فتجد المسجد الأقصى وقد دنّسه اليهود، واحترقت غزة، وبكت سوريا والعراق دمًا، فما أهمية هذا؟! فلنغمض عيوننا ونستمرَّ في الكلام دون الفعل، ونواصلَ حياتنا، ونخدعَ بعضنا بعضا!