ممتاز ار تركونه
انطلاقًا من الدراسة التي حملت عنوان “علاقة النمو بالفساد” الواردة في مجلة ديوان المحاسبات في تركيا، تناولنا التشوّه الذي أصاب نظرة الدولة والشعب وعناصر السوق إلى قضايا الفساد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]للأسف فإن رؤوس الأموال المكتسبَة من خلال الاقتصاد غير الشرعي، تكبِّد الدولة خسائر فادحة بسبب تجاوز ضرره لنفعه، وهناك أسطورة تقول إن الفساد يضمن نموًا اقتصاديًا، وهي تجد آذاناً صاغية تخاف من فكّ “سحر الاستقرار” في البلاد.[/box][/one_third]وللأسف فإن رؤوس الأموال المكتسبَة من خلال الاقتصاد غير الشرعي، تكبِّد الدولة خسائر فادحة بسبب تجاوز ضرره لنفعه، وهناك أسطورة تقول إن الفساد يضمن نموًا اقتصاديًا، وهي تجد آذاناً صاغية تخاف من فكّ “سحر الاستقرار” في البلاد، ولهذا السبب فإن المخاوف الاقتصادية البحتة المتعلقة بقضية الفساد الأخيرة في تركيا كانت مختلفة بعض الشيء: “إذا سقطت الحكومة بسبب فضيحة الفساد، سينتهي الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعيشه تركيا بين ليلة وضحاها، وسنفقد كل ما حققناه من مكاسب” ،وكان السبب الرئيس لوقف التحقيق في قضية فساد كبرى لم تشهد تركيا مثيلًا لها على مدار تاريخها، والتستر على أطرافها، هو هذه الفكرة المسيطرة على الدولة والشعب والسوق، وإن كان هناك كيانٌ مسمىً بـ”الدولة” لايهتم إلا بتحقيق مصالحها “السامية” فقط، وأصحابُ هذا الكيان يسمون بـ”بيروقراطيي الدولة”، فلابد أنهم فكّروا بهذه الطريقة، ويعتبر ديوان المحاسبات فقط واحدًا من المؤسسات التي تمتلكها الدولة بشكل مباشر. ولقد نظرت الجهات الفاعلة في السوق، لا سيما القطاع المالي، إلى مصالحها من الزاوية نفسها. فالشعب لايوافق على الفساد، ولهذا كانت نتائج الانتخابات تستند إلى المخاوف من عدم الاستقرار.
وكان الرئيس أردوغان قد حرّك هذه المخاوف داخل نفوس الشعب بتهديده الذي قال فيه “ستنجرّ تركيا إلى الفوضى”، وبهذه الطريقة يكون قد أدار هذه المخاوف. وكان “كابوس التدهور الاقتصادي” قد لعب دورًا فاعلًا في جعل وسائل الدعاية التي يمتلكها أكبر تأثير. وفضّل صنّاع القرار أن يظلوا متيقظين حتى لايروا هذا الكابوس، كما أغمضوا عيونهم وهم مستيقظون حتى لايروا بعض الأمور مثل الفساد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لايقدم القطاع الاقتصادي، الذي يعتمد على الريع أية مساهمة للنمو الاقتصادي، بحكم طبيعته، ويتوسط فقط لتغيير أصحاب الثروات، ومن ناحية أخرى، فقد تسبب هذا القطاع في تجفيف منابع تمويل قطاع الصناعة، وجعله غير مربح، الأمر الذي حال دون زيادة النمو الاقتصادي.[/box][/one_third]وهذا يعني أنه يتمّ هضم واستساغة الفساد في الوقت الذي تسير فيه الأمور على ما يرام أو يوجد أمل أن تسير هكذا. ولكن عندما تظهر الأزمة وتحدث الخسائر، يبدأ الجميع برجم الفاسدين. فالدرس الذي تعلمته تركيا من الأزمة الاقتصادية التي ضربتها عامي 2000 و2001 كان كالتالي: تؤجَّل المحاسبة إلى المستقبل ويجري البحث عن طريق للخروج تدريجيًا”.
ويعتبر الحديث الحالي عن القصر الرئاسي الجديد في أنقرة رمزًا لتغيير الكابوس القديم بكابوس جديد. فالنمو الاقتصادي قد توقف بالفعل، أما السبب الأساسي لتوقف النمو الاقتصادي فنابع من المصدر نفسه الذي يغذّي الفساد: ريع الدولة، ولقد شكّل تقسيم الأرباح العامة من خلال قطاع الإنشاءات الركيزةَ الأساسية التي تعتمد عليها السلطة التي احتكرها أردوغان، فالسياسيون استهلكوا “ماء البحر” في نهاية سلسلة السعادة التي شكّلها القطاع المالي والمقاولون. وإذا لاحظتم ستجدون أن التناقض المتزايد بمرور الوقت بين الريع الذي تحققه الدولة والنمو الاقتصادي يشكّل الموضوع الأساسي للصراع المتواصل بين أردوغان وفريقه وبين الإدارة الاقتصادية.
لايقدم القطاع الاقتصادي، الذي يعتمد على الريع أية مساهمة للنمو الاقتصادي، بحكم طبيعته، ويتوسط فقط لتغيير أصحاب الثروات، ومن ناحية أخرى، فقد تسبب هذا القطاع في تجفيف منابع تمويل قطاع الصناعة، وجعله غير مربح، الأمر الذي حال دون زيادة النمو الاقتصادي. أما القطاع المصرفي فقد أحال جميع مصادره إلى قطاع الإنشاءات، بسبب أرباحه المرتفعة والسهلة، ليشكِّل أضعف وأهم حلقة في سلسلة السعادة هذه.
إن عبارة “الريع حرام” التي قالها رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، ليست تعبيرًا عن موقف أخلاقي فقط، بل إنها تتطابق مع الاحتياجات الأساسية للاقتصاد. وكذلك المشاريع التي أعلن عنها علي باباجان عقب الإعلان عن البرنامج متوسط الأجل، يستند إلى هذه الفكرة المنطقية.