تقرير: عزيز إيستاجون
كشفت المظاهرات التي خرجت في تركيا في السادس والسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي احتجاجا على هجوم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في بلدة عين العرب (كوباني) السورية، عن صورة توضح انعدام نفوذ سلطة الدولة التركية في مدن جنوب شرق البلاد على وجه الخصوص.
وفيما يتعلق بتصريحات جميل باييك أحد قادة حزب العمال الكردستاني PKK عقب الأحداث، بخصوص طلب الحكومة التركية منهم مساعدات للحفاظ على النظام العام في شرق وجنوب شرق البلاد، فهي تعيد إلى الأذهان سلسلة من الأسئلة في هذا الصدد.
وقال باييك إن الدولة أصبحت غير قادرة على إدارة كردستان، وتطلب منّا ذلك، إنها تقول إننا إرهابيون، وتطلب منا في نفس الوقت تأمين النظام العام، وهذا شيئ لايمكن قبوله.
حسنًا، ما الداعي الذي جعل باييك يصرّح بذلك؟ ومن ذا الذي طلب مساعدة من اتحاد المجتمعات الكردستانية KCK التي يعتبر الجناح المدني للعمال الكردستاني؟ حسب الادعاءات، قام خالص بيوروجو مدير أمن مدينة ديار بكر، بالإتصال بخطيب دجلة رئيس مؤتمر المجتمع الديمقراطي، وطلب منه عدم إحداث أعمال شغب في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المُعلن “يوم التضامن العالمي مع كوباني“. وبدوره أخطر دجلة المسؤولين في جبل قنديل بهذا الطلب.
عامل حزب العدالة والتنمية العمال الكردستاني PKK كـ “إرهابي مشروع”
تركيا تتحدث عن مسيرة السلام الداخلي مع الأكراد منذ عام 2009. واستمرت المباحثات التي كانت تجرى في العاصمة النرويجية أوسلو بين جهاز المخابرات الوطني التركي وحزب العمال الكردستاني بناء على طلب رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء آنذاك، إلى الأيام الحالية بالرغم من انقطاعها في بعض الفترات. واعتبارا من خريف 2012 على وجه الخصوص، تشكلت صورة ذهنية لدى الرأي العام مفادها أن المسألة الكردية ستحل، وأن العمال الكردستاني سيترك السلاح وسينزل من الجبال إلى السهول. وأجريت المئات من المباحثات بين الحكومة وقادة العمال الكردستاني، وتم التفاوض على أشياء كثيرة. وأجرى حزب العدالة والتنمية، الذي يزعم أنه سيحل المسألة الكردية، مفاوضاته مع العمال الكردستاني فقط، وبهذا يكون قد منح بشكل من الأشكال صفة المشروعية للعمال الكردستاني بعدما جلس على الطاولة للتفاوض مع الحكومة.
فيما حدد حزب العمال الكردستاني الذي يرغب في تحويل انتهاء أجواء الاشتباكات والصراعات في تركيا إلى فرصة لصالحه، استراتيجيتين جديديتين، فمن ناحية يصب تركيزه على تشكيل منطقة ذات حكم ذاتي خاصة به في شمال سوريا المعروفة بـ “روج آفا”، ومن ناحية أخرى يتوجه صوب المدن في تركيا. إذ أنه يعزز من تنظيمه في المدن انطلاقا من مفهوم “الدفاع الذاتي”، وينفذ مخطط الطابع المؤسسي باعتباره القوة التي توفر السلام.
كما نوقش، لفترات طويلة، العجز الذي شوهد على رجال الشرطة في الاحتجاجات التي اندلعت في آخر أيام عيد الأضحى، وعدم اتخاذهم التدابير اللازمة والكافية، وشهدت المنطقة أعمال شغب واحتجاجات مكثفة لم تشهدها المنطقة منذ عقد التسعينييات، لدرجة أن الحكومة اضطرت لإعلان حالة حظر التجوال في ست مدن، وعطلت المدارس، وتوقفت المداخل والمخارج في عدة مناطق بسبب إغلاق الطرق، وأسفرت هذه الاحتجاجات عن مقتل 48 شخصا، ولم يمض قليل على احتجاجات السادس والسابع من أكتوبر، حتى تم إعلان “يوم التضامن العالمي مع كوباني” في الأول من نوفمبر، وعمّت البلاد شائعات بأن البلاد ستشهد فوضى واضطرابات من جديد.
وها قد حدث المطلوب “الحفاظ على النظام العام” الذي تحدث عنه جميل باييك في تلك الفترة. لكننا أصبحنا الآن لا نندهش على مديرية الأمن العاجزة عن القبض على الذين قتلوا إثنين من رجال الشرطة في شهر أغسطس/ آب الماضي، وضابط الصف الذي قتل بطريقة شنعاء وهو يتسوق مع زوجته في أحد الأسواق الشعبية، والـ 14 مواطنا الذين قتلوا في احتجاجات كوباني، والتي أصبحت تطلب العون من اتحاد المجتمعات الكردستانية KCK لإحلال السلام في الشوارع.