كريم بالجي
الأحداث الجارية في المسجد الأقصى تذكرنا بمجزرة الخليل عام 1994 من نواح عدة.
ففي تلك السنة دخل إرهابي يدعى باروخ جولدشتاين جامع الخليل وقتل 29 مسلما وهم يؤدون الصلاة. مع أن إهمال قوات الأمن الإسرائيلية كان واضحًا في تلك الحادثة، عوقب المسلمون، وحينها قُسم الجامع والمدينة إلى قسمين بعد أن كانا تحت سيطرة المسلمين إلى ذلك اليوم. حيث حُوّل نصف الجامع إلى كنيس، في حين خضع القسم الذي بقي للمسلمين إلى مراقبة أمنية سافرة ومنتهكة لكرامة الإنسان. كان السارق الغاشم قد ضرب صاحب البيت مرة أخرى!
كانت الشرارة الأولى لاندلاع الأحداث في هذه المرة هي إصابة “يهودا جليك” بجروح وهو الناشط اليهودي المتطرف إثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها بعد ادعائه أن لليهود أيضا حق العبادة في المسجد الأقصى مثل المسلمين تماما.
وفي الأيام التالية حاول أنصار جليك دخول المسجد الأقصى والتعبد فيه وتغيير الوضع السائد هناك منذ 1967. في حين أن المسلمين الفلسطينيين الذين قاوموهم تعرضوا لهجمات الجنود الإسرائيليين. وتعلمون ما حدث بعدها. فالأقصى يبكي مرة أخرى.
وهناك أمور أخرى غير التشابه بين هاتين الحادثتين، وهي ما تُبكي الأقصى كما تُبكي كل مسلم صاحب ضمير. ففي الأربعاء الماضي وقبل تعرض جليك لمحاولة اغتيال من قبل شخص عربي إسرائيلي، عمل الكنيست الإسرائيلي على وضع مخطط يقضي بتخصيص قسم من المسجد الأقصى لليهود كي يمارسوا عباداتهم فيه وقد تناول الإعلام هذه المسألة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان أوباما في خطابه للجماهير بعد هزيمته في الانتخابات المبكرة قد تجنب الحديث في السياسة الداخلية، وأشار إلى أنه سيقضي العامين الأخيرين من ولايته بالانشغال بسياسة الشرق الأوسط. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفتور بين أوباما ونتنياهو فذلك يعني أن هذه المرحلة لن تكون سهلة بالنسبة لإسرائيل.[/box][/one_third]وقد وجه الأعضاء العرب في الكنيست نداءات إلى الرأي العام العالمي، ودعوا إلى وقف هذا المخطط الخطير. وقبل عدة أسابيع انكشف شراء بيوت من السكان العرب في قرية سيلفان جنوب المسجد الأقصى عن طريق وسطاء، وفي ليلة واحدة تم تسليم تلك البيوت لـ29 عائلة يهودية، ما أدى إلى موجة غضب شعبي في المنطقة. وكانت الحادثة قد أثارت في الأذهان وجود بعض الفلسطينيين الخونة الذين باعوا بيوتهم لليهود، وفي الوقت نفسه نشرت الذعر بأن الأقصى يتعرض للحصار.
وهذه الأحداث لها صلة بالتطورات الإقليمية والعالمية، مثل :
- هزيمة “حزب النهضة” في الانتخابات وسقوط آخر قلعة للربيع العربي في تونس.
- توجه أنظار الرأي العام العالمي إلى العراق وسوريا اللتين باتتا مسرحًا لأعمال داعش.
- انعدام ثقل الدول التي تعتبر حامية للقضية الفلسطينية وهي سوريا ومصر وتركيا.
هذه هي العوامل الإقليمية،، أما العوامل العالمية فهي قرار مجلس الشيوخ البريطاني الاعتراف بدولة فلسطين وذلك من خلال 274 صوتا مقابل 12 صوتا الشهر الماضي. ويبدو أن المسؤولين الإسرائيليين تنبأوا بأن يحذو بعض الدول حذو بريطانيا في هذا القرار.
وهناك شيء آخر، لا بد أن إسرائيل تنبأت به وتتحسب له، وهو حقيقة تعرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهزيمة ساحقة أمام الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية المبكرة، وإن أوباما سيصرف كل طاقته بعد الآن على السياسة الخارجية، فأوباما الذي فقد ولاء غالبية أعضاء الكونجرس وبالتالي ما عاد بوسعه تطبيق أي مشروع إصلاحي اجتماعي، سيضع كل ثقله على الخيار الوحيد الذي يمكن أن يقدم عليه دون الرجوع إلى الكونجرس وأعضائه. وعليه أن ينجح في السياسة الدولية نجاحا يفخر به الأمريكيون كي يكون متّكئا له في الترشح باسم الحزب الديمقراطي في انتخابات 2016 .
وكان أوباما في خطابه للجماهير بعد هزيمته في الانتخابات المبكرة قد تجنب الحديث في السياسة الداخلية، وأشار إلى أنه سيقضي العامين الأخيرين من ولايته بالانشغال بسياسة الشرق الأوسط. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفتور بين أوباما ونتنياهو فذلك يعني أن هذه المرحلة لن تكون سهلة بالنسبة لإسرائيل. ,أصبحت قضية الأقصى في ظل هذه الأوضاع بمثابة معضلة تشغل أوباما في هذه الفترة.
ويبدو أن حكومة العدالة والتنمية ستتناول أحداث الأقصى، فسينظر إليها متكئا على سهولة وخفة “التسلي والتمتع بشتم اليهود” وليس في إطار الشعور بالمسؤولية الثقيلة تجاه القضية الفلسطينية. كما أن تصريح محكمة الجزاء الدولية حول سفينة (مافي مرمرة) التي تعرض فيها مواطنونا لاستهتار وسقط بعضهم شهداء نتيجة التدخل الغاشم من طرف القوات العسكرية الإسرائيلية إذ جاء في تصريحها: “إن ما حدث يعدُّ جريمة حرب، ولكنه حسب معاييرنا ليس حدثًا كبيرًا يستوجب اهتمامنا به” ، سيخدم حكومة حزب العدالة والتنمية لتتهرب من المسؤولية بميلها إلى السهولة المذكورة أيضًا.
يبدو أنه سوف تعلو صيحات من هنا وهتافات من هناك ولن يمسح أحد دموع الأقصى…