لاله كمال
وصف مخططو الانقلاب العسكري في تركيا، انقلابَ 28 فبراير/ شباط 1997 بالانقلاب “ما بعد الحداثي” ،ذلك أن الجيش نجح، هذه المرة، في إبعاد حكومة حزبي الرفاه والطريق القويم الائتلافية عن سدة الحكم، دون اللجوء إلى السلاح.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]عدنا – إذن – من جديد إلى نقطة البداية، كان العسكر في الماضي يدعون أن الرجعية ستعود إلى تركيا، ليقوموا بالانقلابات في سبيل مواصلة وجودهم في أعلى المناصب، فيما حل مكانهم اليوم حزب سياسي منتخب يتقدم بسرعة متناهية نحو تأسيس سلطة استبدادية.[/box][/one_third]إن ما يقف وراء هذا النجاح (!)، الذي يعتبر بمثابة جريمة دستورية، هو التحذيرات التي أطلقها قادة الجيش آنذاك حول “عودة الرجعية” أمام القضاة والإعلاميين والأكاديميين وممثلي بعض منظمات المجتمع المدني الذين هرعوا إلى قيادة الجيش وقتها، وتأثير القيادة العسكرية كذلك على رئيس الجمهورية وقتها سليمان ديميريل. وبهذه الطريقة، استطاع جنرالات الجيش التركي “القضاء على الرجعية الافتراضية” من خلال الحرب النفسية. وفي الواقع، يستهدف “ادعاء خطر الرجعية”، الذي شكّل مستندًا لبعض الانقلابات التي شهدتها تركيا، الفئات المتديّنة في المجتمع، والتحريض على العلمانية المتطرفة، والتستر على حزب الله التركي آنذاك والتنظيمات اليسارية المتطرفة والنضال العقلاني ضد الإرهاب.
وإذا عدنا إلى الوراء، سنجد أن هناك تيارات أصبحت قادرة على قراءة أن مصطلح “الرجعية قادمة” ظهر – في الأصل – كوسيلة لمواصلة المكانة المتميزة للوضع الراهن قدر المستطاع.
كما يمكننا أن نطبّق النظرية ذاتها على استمرار الثورة المسلحة التي قادها حزب العمال الكردستاني لعقود من الزمان.
ولقد استغرق اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، الأخير في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 10 ساعات و25 دقيقة، أي دام لمدة أطول من مدة اجتماع عام 2009 الذي استمر لتسع ساعات، وأفاد بيان الاجتماع بأن جماعة الخدمة، أو جماعة فتح الله كولن، بصفتها كياناً موازياً، وليست الرجعية، تشكل تهديدًا داخليًا.
وكان الرئيس أردوغان قد أعلن، خلال حملات استهدافه لحركة الخدمة التي وصفها بـ”الكيان الموازي” منذ أشهر، أنه سيعمل على إدراج الخدمة، بوصفها تهديداً يحدق بالأمن القومي لتركيا، في الوثيقة السياسية للأمن القومي المسماة بالكتاب الأحمر، والتي ليس لها مكان في دولة القانون، ولا شك في أن تصرفًا كهذا سيضعف من كفاح تركيا ضد التنظيمات التي تشكل تهديدًا حقيقيا على الأمن القومي للبلاد كداعش وغيره من التنظيمات، بالضبط كما حدث إبان وقوع انقلاب عام 1997.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] وكما أن تركيا لم تشهد إقامة دولة ديمقراطية بسبب الانقلابات العسكرية في الماضي، فإنها قد دخلت – هذه المرة – مرحلة من التدمير على أيدي المدنيين، ستؤثر بالسلب في الأجيال المقبلة، وسيستغرق إصلاح ما دمرته وقتًا طويلًا.[/box][/one_third]وفي الوقت الذي سعى فيه الحزب الحاكم إلى إغلاق ملف التحقيق في قضية الفساد والرشوة التي كُشف عنها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نعرِف لماذا استهدف النيل من حركة الخدمة، ولهذا السبب، فإن أكثر المواضيع التي تثير اهتمامي هي ماهية الموقف الذي اتخذه رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال نجدت أوزيل وفريقه في اجتماع مجلس الأمن القومي الأخير، لا سيما وأن أوزيل أدلى بتصريح قال فيه ضمنا: “لا يمكن أن نقصي الجنود والضباط الذين يدَّعى انتسابهم إلى حركة الخدمة دون دليل ملموس” ،وإذا أخذنا بعين الاعتبار التصريح الذي أدلى به أوزيل، ربما تتبادر إلى ذهننا الأسئلة التالية: “هل لعب رفض الجيش لطلب أردوغان إدراج الخدمة كتهديد داخلي في الكتاب الأحمر، دورًا في امتداد اجتماع مجلس الأمن القومي لوقت غير مسبوق قبل ذلك؟ أم على العكس من ذلك، أي أنهم قبلوا هذا الطلب واستمعوا لفترة طويلة من الرئيس أردوغان كيفية إثبات صحة ادعاء الجناح المدني ولو حتى من خلال قصاصات الصحف؟
ولقد رأيت بنفسي كيف ورد ذكر الأستاذ فتح الله كولن كعنصر تهديد داخلي بأحرف كبيرة وغليظة في الفترات التي أملى فيها العسكر ما يكتَب في الكتاب الأحمر، وشاهدت ذلك، على سبيل المثال، في وثيقة عام 2011، لكني أعتقد أن المؤسسة العسكرية استخرجت العبر والدروس، منذ ذلك اليوم إلى الآن، في بعض القضايا، بسبب الرجوع إلى الخلف.
عدنا – إذن – من جديد إلى نقطة البداية، كان العسكر في الماضي يدعون أن الرجعية ستعود إلى تركيا، ليقوموا بالانقلابات في سبيل مواصلة وجودهم في أعلى المناصب، فيما حل مكانهم اليوم حزب سياسي منتخب يتقدم بسرعة متناهية نحو تأسيس سلطة استبدادية. وكما أن تركيا لم تشهد إقامة دولة ديمقراطية بسبب الانقلابات العسكرية في الماضي، فإنها قد دخلت – هذه المرة – مرحلة من التدمير على أيدي المدنيين، ستؤثر بالسلب في الأجيال المقبلة، وسيستغرق إصلاح ما دمرته وقتًا طويلًا.