بقلم الكاتب الصحفي بولنت كوروجو
الرئيس رجب طيب أردوغان يهدد منذ فترة حركة الخدمة بتسجيل اسمها في “الكتاب الأحمر” ، وهذا هو اسم وثيقة سياسة مجلس الأمن القومي لدى العامة، وهو هدية من انقلاب 27 مايو/ آيار حيث تمركز مجلس الأمن القومي في موقع حيوي من كيان الدولة.
وقد وصف حسن جلال جوزال، أحد قدامى الوزراء، الكتاب الأحمر بأنه دستور سري، حيث جاء وصفه هذا في حديث أجرته معه الصحفية “نشا دوزل”، كما وصف جوزال أسلوب إدارة الدولة من قبل بيروقراطية الأقلية قائلاً: “إن هذه وثيقة السياسة الوطنية، وهي بحجم الدستور وذات غلاف أحمر، ولا يمكن لأحد أن يرى هذا الكتاب إلا إذا كان مستشارًا في الدولة، الكتاب الأحمر لا يعرض على الوزراء ولكنه يُعرض على المستشارين، لأن من يملك الدولة هي البيروقراطية لا الوزراء، فالوزراء عبارة عن أطفال يجب إلهاؤهم، فأنا لم أصادف، إلا فيما ندر، من لديه معلومة عن الكتاب الأحمر من الوزراء، وهذا الكتاب يتخذ شكله النهائي في مجلس الأمن القومي”.
ونظرًا لتصريحات جوزال وغيره من الشهود يتبين وجود دولة أخرى وضعت لنفسها منظومة خاصة بها غير الدولة التي تنص عليها القوانين، وهي ترى نفسها المالك الحقيقي للدولة، وأردوغان يحتاج الآن إلى تلك المنظومة التي تراجعت وقل تأثيرها بعد مكتسبات الاتحاد الأوروبي ودعاوي أرجنيكون، مثل بعض المؤسسات التي كان ينتقدها في البداية ولكنه استخدمها لمصلحته الشخصية بعد سيطرته عليها كهيئة التعليم العالي، وهذا ما يحدث الآن.
إن مصدر المشكلة هو أن هناك حكومة تتحمل المسؤولية السياسية والقانونية في الأعمال والإجراءات الإدارية، وهناك رئيس الجمهورية الذي لا يريد أن يترك المطرقة التي يقرع بها الطبلة المعلق في رقبة رئيس الوزراء، فهذه العقلية التي تضع رئيس الوزراء في موقع كبش الفداء ومخالفة لجوهر النظام وجميع التعاملات والقواعد المعتادة، وفي حالة تغيير الدستور وتحويل نظام الدولة إلى النظام الرئاسي سيكون من حق أردوغان أن يقرع الطبل كيفما يشاء.
ولم تتوقف محاولات أردوغان لإنزال رئاسة الوزراء إلى مستوى المستشارية عند هذا الحد، إذ يتم الآن تأسيس وحدة لمتابعة الاستثمارات في القصر (هل ينبغي أن نقول القصر الأبيض)، ويقال إن “بن علي يلدريم” ( وزير المواصلات السابق ومن أقرب أصدقاء أردوغان) سيعين رئيسا لها، بما أن يلدريم لم يُنصب رئيسا للوزراء بشكل رسمي سيكون رئيس وزراء غير رسمي يعمل في ظل أردوغان ومن خلف الكواليس ولكنه سيكون أكثر فاعلية وتأثيرا من رئيس الوزراء الرسمي.
فليستمر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في إلقاء الخطابات حول التوسع الأفقي في المدن، وفي الانتقاد من الناحية الأخلاقية والقانونية لجمع الثروات من أرباح المشروعات العمرانية، وفي أغلب الاحتمالات فإن رئيس وزراء الظل بن علي يلديريم، سيخطو الخطوات لمواصلة العمل طبقا للنظام الحالي من خلال تعليمات أردوغان، فبعد أن يسيطر أردوغان على البيروقراطية والسياسة من خلال مجلس الأمن القومي والاقتصاد بواسطة رئيس الوزراء الظل لم يبق هناك أية أهمية للذي سيترأس مجلس الوزراء سواء كان اسمه أحمد أو بولنت. والسؤال المطروح في العنوان سؤال مهم من هذه الناحية، وربما يجب تبديله إلى “من الذي يجب أن يخاف من الكتاب الأحمر في الحقيقة”؟
الحديث عن حركة الخدمة مجرد غطاء لهذه الإجراءات، فهو يرسم غولا أو وحشا خياليا، ويتظاهر بأنه يحاربه ليحدث صخبا وطبقة من الغبار حتى يغطي ما يدور في حقيقة الأمر، وإلا كيف كان له أن يصدر قرارا بعدم استمرار التحقيقات والمحاكمة في قضية الفساد والرشوة في 17 ديسمبر/ كانون الأول دون تصريحات تطمئن الرأي العام إزاء ساعة بقيمة 700 ألف ليرة تركية، وصناديق الأحذية التي كانت تحوي ملايين الدولارات؟ وكيف كان تتيسر الإجراءات التعسفية بحق البيروقراطيين في وزارة الصحة الذين كان من المؤكد أنهم ليسوا من الكيان الموازي؟ وكيف كان من الممكن الانتقام من رجال الشرطة والمدعين العموم الذين قاموا بعمليات لإدخال الأرز المعدل وراثيًا والرشاوي؟ وقد كانت حجة الكيان الموازي وسيلة متعددة الاستخدامات، والآن ستستخدم كغطاء لإنشاء دولة بيروقراطية تتم إدارتها من القصر الأبيض.
الكل يعلم أنه ليس هناك ما يقابل الكتاب الأحمر في القوانين، وليس هناك أحد يتوقع صدور قرار في المحاكم على أساس ما ينص عليه في الصفحة 111 والمقطع 3 من الكتاب الأحمر على سبيل المثال.
أما عن رد فعل حركة الخدمة فهناك إحساس بالراحة ولسان حالها يقول: “نحن لم ننشأ نتيجة الكتاب الأحمر حتى ينتهي وجودنا عن طريقه”، وقد وصلت هذه الحركة فعلاً إلى هذه الأيام على الرغم من الكتاب الأحمر والقرارات التي ليس لها أساس قانوني، التي صدرت عن مجلس الأمن القومي، فجهاز مناعتها قوي من هذه الناحية.