بقلم: ممتاز أرتركونه
بعد أن استمر اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، لما يقرب من نصف يوم تقريبًا، فوجئ الجميع بعدم اتخاذ القرار الذي طالما نادى به رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، فقد فشلت محاولاته لضم الكيان الموازي ضمن “الكتاب الأحمر”، أي في الوثيقة السياسية لمجلس لأمن القومي التركي،كعنصر يشكل تهديدًا على سلامة الأمن الداخلي للبلاد.
فلو كانت هناك أية إشارة، ولو ضعيفة جداً، حول ضم ما يطلق عليه رئيس الوزراء السابق أردوغان منذ أشهر، الكيان الموازي أو الدولة الموازية، إلى الكتاب الأحمر، لكانت الصحف الموالية والمؤيدة للحكومة، قد دوّت في كل أرجاء البلاد بخبره، إلا أننا لم نرَ إلا صوتاً خفيفاً له في جريدة” صباح” فقط، وكان جليًا أنه لم يتم ضمه إلى الكتاب الأحمر، من خلال عدم الحديث عنه أو تناول أي شئ يتعلق به في التصريحات الصادرة عن المجلس حول التهديدات التي تواجه الأمن القومي.
ولو كانت أولويات الأمن القومي التركي موضوعة في أجندة المجلس، لكان البيان الصادر عنه تضمّن عبارات من قبيل: “تمت مناقشة استراتيجية الأمن القومي وتحديد الأولويات والتهديدات من جديد”، بل أكّد البيان عزم السلطات على مكافحة كل “الكيانات الموازية” و”الكيانات غير الشرعية” بإصرار.
فالعبارات التي تتحدث عن “كيانات غير شرعية تحت غطاء شرعي”، لا تعيد إلى الأذهان إلا اتحاد المجتمعات الكردستانية (KCK) المنبثق عن منظمة حزب العمال الكردستاني الذي شكّل كيانات وقضاءات موازية في المدن الشرقية والجنوبية الشرقية بالبلاد، بل وهناك معلومة مهمة جدًا؛ ألا وهي أن “الكيان أو الدولة الموازية” مفهوم محدد المعالم لما أنه طوق نجاة ابتدعه رجب طيب أردوغان لإنقاذ نفسه وفريقه من فضيحة الفساد والرشوة التي تم الكشف عنها في 17و25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. فهذا المفهوم يطلقه أردوغان على حركة الخدمة المسترشدة بفكر الأستاذ محمد فتح الله كولن باعتباره طوق نجاة ينقذه من فضيحة الفساد والرشوة. ولكنه لم يستخدم هذا المفهوم بصورة الجمع في أي وقت، بل اعتاد أن يستخدمه في صورته المفردة دائماً. وإنما عبارة “الكيانات الموازية” هي من اختراع أحمد داوود أوغلو. ومع أن أردوغان سلّم منصبه في رئاسة الوزراء وحزب العدالة والتنمية إلى داواد أوغلو، مشيداً بـ”عزمه على مكافحة الكيان الموازي”، إلا أنه أي داود أوغلو دأب منذ البداية على الحديث عن “الكيانات الموازية” واستخدم دائماً عبارة “كل كيان موازٍ”. لذلك فإنه لا بد أن تكون عبارة “الكيانات الموازية” التي وردت في بيان مجلس الأمن القومي المنشور بعد منتصف الليل صادرة عن أحمد داوود أوغلو لا أردوغان. فهذه التفاصيل توضح لنا أن كواليس اللعبة السياسية تشهد اختلافًا في الآراء، فيما يتعلق بـ”الكتاب الأحمر” و”الكيان الموازي”، وأنه لم يتم التوصل للنتائج التي كان يأملها ويصر عليها أردوغان.
وكان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ردّد الجملة نفسها ثلاث مرات خلال الشهر الأخير وزعم أنه سيتم النظر في أولويات وتهديدات الأمن القومي التركي وتحديدها من جديد، وأن الكيان الموازي (أي حركة الخدمة)، سيتم ضمّه إلى قائمة المنظمات والعناصر التي تمثل تهديدًا للأمن القومي، وذلك في اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عقد أمس، وكان يقول من خلال ذلك إن المدعين العموم سيأخذون في اعتبارهم هذا التنظيم في أثناء إجراء تحقيقاتهم، وستلتزم الدول الصديقة الحيطة والحذر من خطر هذا التهديد. وكان جليًا أن غرض هذه التصريحات هو مجرد دعاية “بروبجاندا” فقط لا غير؛ نظراً لأنه لا يمكن إطلاع الدول الصديقة على مضامين الكتاب الأحمر.
وكان أردوغان قد رفض عام 2006 طلب المحكمة العليا، أي أعلى سلطة قضائية في البلاد، بتدقيق “الكتاب الأحمر”، بدعوى أنه سري، وللسبب نفسه لايمكنه أن يقدمه للدول الأخرى، فالكتاب الأحمر هو الوثيقة السياسية للأمن القومي التي تحدد الاولويات والعناصر التي تشكل تهديدًا على سلامة الأمن الداخلي، وتحدد سبل الإجراءات المتخذة حيال ذلك، لذلك يتم إعطاء قرارات مجلس الأمن القومي صفة قرارات مجلس الوزراء، وتوجيهه إلى الجيش على أنه “رؤية الاستراتيجية العسكرية القومية”، وخلاصة القول: أن تكتيكات وأساليب دعاية أردوغان، ووظيفة “الكتاب الأحمر” لا تتواءمان مع بعضهما البعض.
ويكشف البيان الذي تم نشره عقب انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي بالأمس، انهيار وفشل تكتيكات أردوغان الدعائية، فلم يتم أخذ أردوغان وادعاءاته على محمل الجد بين أعضاء المجلس، واتضح للجميع مدى كذب ادعاءات صحيفة” صباح” التركية، حول ضم الكيان الموازي إلى الكتاب الأحمر، كغيرها من الأخبار والادعاءات الكاذبة التي اعتادت الصحيفة على نشرها.
واليوم أضحت أسطورة الكتاب الأحمر، كغيره من الأساطير والادعاءات التي اتضحت حقيقتها عقب الكشف عن قضايا الفساد والرشوة في 17و25 ديسمبر 2013 شيئاً من الماضي وانتهينا من نقاشها، فياليت يعثر أحد الأشخاص على عضو من أعضاء مجلس الأمن القومي، ويوجه له السؤال التالي: “لماذا لم يتم ضم الكيان الموازي إلى وثيقة الأمن القومي؟” ،فإذا عرفنا السبب الذي جعل أعضاء المجلس لا يأخذون رأي رئيس الجمهورية على محمل الجد نكون جاهزين ومستعدين لما قد تظهره الأيام فيما بعد من أساطير وادعاءات جديدة.