بقلم: علي بولاج
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان من المفترض التعامل مع المسألة الكردية من أول وهلة من خلال المعايير مثل عدم إنكار الهوية الكردية، والاعتراف بحق الأكراد في تعليم أبنائهم بلغتهم الأم، والارتقاء بمستوى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لسكان شرق وجنوب شرق الأناضول(الجزء الأسيوي لتركيا)، وانتهاج سياسات تنشئ بنية للاندماج بين دول المنطقة، كما هو الحال في بلدان الاتحاد الأوروبي بصرف النظر عن حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الإرهابية المنبثقة عنه.[/box][/one_third]مفاوضات السلام التي تجريها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، والتي أيدتها حتى اليوم، انطلاقًا من مبدأ: “إما أن تقول الحق أو تصمت”، صارت في المرحلة التي وصلت إليها تلك المفاوضات تقلقني كثيرًا، كأي إنسان لم يفقد الوعي، فنحن أمام أخطاء جسمية ترتكَب في إطار هذه المفاوضات، كما هو الوضع في موضوع سوريا، ونسير نحو كارثة كبيرة ثانية.
كان من المفترض التعامل مع المسألة الكردية من أول وهلة من خلال المعايير مثل عدم إنكار الهوية الكردية، والاعتراف بحق الأكراد في تعليم أبنائهم بلغتهم الأم، والارتقاء بمستوى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لسكان شرق وجنوب شرق الأناضول(الجزء الأسيوي لتركيا)، وانتهاج سياسات تنشئ بنية للاندماج بين دول المنطقة، كما هو الحال في بلدان الاتحاد الأوروبي بصرف النظر عن حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الإرهابية المنبثقة عنه.
مرّ 12 عامًا على تسلّم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا، وكان من الممكن أن نحل 90% من هذه القضية الكردية خلال هذه الفترة الطويلة. لكن شيئًا من هذا لم يحدث، وأدركنا أن حدوث هذا في المستقبل كذلك صعب المنال، بل فهمنا أننا ننجرف نحو وادٍ سحيق.
وشهدنا، كلما تقدمت مفاوضات السلام مع قادة الكردستاني، أن السياسة التي تنتهجها الحكومة التركية، معلولة بثلاثة أخطاء كبيرة، وهي:
1 – في الوقت الذين يعيش فيه في تركيا ما بين 12 و15 مليون مواطن كردي، وأن الأكراد، كسائر الأعراق الأخرى، يعتبَرون كيانا غير متجانس، فقد اختارت الحكومة حل القضية الكردية من خلال التفاوض مع منظمة حزب العمال الكردستاني PKKوحدها فقط، وبالتأكيد، فمفاوضات السلام ينبغي إجراؤها مع مَن تحاربهم، وذلك أمر طبيعي. ومن الصحيح أن يكون حزب العمال الكردستاني ضمن إطار الجهات المخاطبة في سياق المفاوضات، غير أنه من المعلوم أن هذا التنظيم لا يمثل الأكراد كافة؛ إذ إن هناك كتلة أساسية من الأكراد، تصل نسبتها إلى 75 – 80% منهم، لا يؤيدون حزب العمال الكردستانيPKKوحزب الشعوب الديمقراطيةHDP.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]مرّ 12 عامًا على تسلّم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا، وكان من الممكن أن نحل 90% من هذه القضية الكردية خلال هذه الفترة الطويلة. لكن شيئًا من هذا لم يحدث، وأدركنا أن حدوث هذا في المستقبل كذلك صعب المنال، بل فهمنا أننا ننجرف نحو وادٍ سحيق.[/box][/one_third]ومن الأكراد في تركيا من هم علمانيون – قوميون، وليبراليين، ومتدينون – محافظون، وراديكاليون، وإسلاميون، ومناصرو تيار الفكر الوطني (ملّي جوروش)، ومنتمون إلى جماعة النور، ومنتسبون إلى الطرق النقشبندية والقادرية والخزنوية، ونعلم أن قسمًا كبيرًا منهم يدلي بأصواته في الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية، لكنهم عندما يكون موضوع البحث هو الحل النهائي للقضية الكردية، نجدهم يرغبون في الانضمام إلى هذه المفاوضات وفق أبعاد تتخطّى “التفويض الديمقراطي”. بل ينبغي لنا وضع الأكراد الذين يعيشون خارج تركيا، في الحسبان عندما نتحدث عن مفاوضات السلام، إلا أن الحكومة التركية تتصرف وكأن الأكراد فوّضوا أمورهم إلى حزب العمال الكردستاني، وأن مطالِب هذا التنظيم هي نفسها مطالب الأكراد. وهذا أمر خاطئ بالكليّة.
لقد رأينا، بوضوح، أن حزب العمال الكردستاني PKK لا يكنّ احترامًا لحق الحياة لغيره خلال أحداث الشغب التي وقعت في بعض المدن التركية يومي 6 – 7 أكتوبر / تشرين الأول الجاري، حيث هاجمت عناصر هذا التنظيم جميع المحال التجارية والمكاتب والمدارس التابعة لكل الجماعات الأخرى (بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، وحركة الخدمة، وحزبا الدعوة الحرة والسعادة، والجماعات الإسلامية المستقلة، والمدارس وصالات القراءة)، وقتلوا الناس بوحشية فظيعة. وقد أصبحت هذه الهجمات والموقف المدمِّر، إشارة ملموسة على من بانتظاره هذه العاقبة السيئة إذا ما أصبح حزب العمال الكردستاني مؤسسًا لدولة كردستان في المستقبل.
2 – لم تضع الحكومة في حساباتها السكان العرب والأتراك الذين يشكلون نحو 25 – 30% من سكان شرق وجنوب شرق الأناضول ، عندما أطلقت مفاوضات السلام مع الأكراد، ولم تذكر الحكومة حتى وجودهم، وقد شعر السكان العرب في مختلف مدن تركيا، وعلى رأسها ماردين، بالقلق الشديد جرّاء أحداث الشغب الأخيرة. فقد تعرّضت محلاتهم التجارية وأماكن عملهم وسط ماردين للتخريب للمرة الأولى، ولم يستطع السكان المحليون الخروج من منازلهم مدة أيام.
وكأن حكومة حزب العدالة والتنمية وقعت على الوثيقة الرسمية (فرمان) لتهجير السكان العرب والأتراك والتنكيل بهم في مدينتي ماردين وشانلي أورفا عندما حوّلت كل منهما إلى “بلدية كبرى” دون أن تشاور أحدًا، وكانت تلك المنطقة تضم أقوامًا من الأكراد والعرب والأتراك يحيون في ظل توازن قائم منذ أيام الدولة العثمانية، دون أن يدخلوا في مشاحنات أو صراعات كبيرة فيما بينهم. وإن ما حدث في كركوك، قد يحدث في ماردين وشانلي أورفا بعد تحولهما إلى مستوى مدينتين كبيرتين (بلدية كبرى)، وقد تتعرض هاتان المدينتان لعملية تهجير وتطهير عرقي مثل كركوك. ولقد حافظت مدينة أورفا على أوضاعها لفترة، ولكن إذا استمرت التطورات على هذا المنوال، فإن صفة “البلدية الكبرى” التي لحقت بها، ستهددها في المستقبل. ولم يكن للحكومة التركية الحق في فعل ذلك. واليوم، بدأ الأغنياء من سكان المدينة يبيعون مملكاتهم ويهاجرون إلى المدن الغربية داخل تركيا.
وبعد أن انتقلت إدارة بلدية ماردين إلى حزب الشعوب الديمقراطية الكرديHDP، بدأ السكان العرب يتعرضون للاعتداء، وبدأ الباعة الأكراد في الأسواق يخاطبون النساء اللواتي يتسوقن، بقولهم: “لن نبيع لكِ إذا كنت لا تتحدثين الكردية!” ،وإذا لم يتأسس توازن معقول يستند إلى الحق بين الجماعات العرقية المختلفة في سوريا والعراق، سينتقل – لا قدر الله – هذا الصراع إلى تركيا كذلك. وللأسف، فإننا مدينون في ذلك إلى مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستانيPKK.
3 – اليوم ليس هناك حزب العمال الكردستاني القديم، بل نحن أمام قوة جديدة مرشحة لتأسيس دولة ناشئة لها أرض ولديها عشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين ولها أسلحة ثقيلة وتدعمها الدول الغربية. وفي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تُحل القضية في إطار الحقوق الأساسية لتكون القضية الكردية فرصة لاتحاد إقليمي، دخلت هذه القضية مرحلة جديدة تمهّد لنشوء كيانات سياسية جديدة متوافقة مع الإطار الرئيسي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وتستقطب المنطقة بأسرها وتحولها إلى ساحة مليئة بالصراعات الطائفية.
لقد وجدتْ تركيا نفسها بين شقي الرحى بين حزب العمال الكردستاني من ناحية والولايات المتحدة من ناحية ثانية، و” الحمامة” صلاح الدين دميرطاش، رئيس حزب السلام والديمقراطية، قد أصدر أوامره بـ “النزول إلى الشارع”، فيما قال “الصقر” عبد الله أوجلان “حسنًا، يكفي هذا القدر” ،ولقد حصل حزب العمال الكردستاني على مراده بعدما أضرم النار في تركيا يومي 6 و 7 أكتوبر، كما جعلت أمريكا تركيا تفعل ما تريد منها.