سلجوق جولطاشلي
وجّه الداعية الإسلامي التركي المعروف الأستاذ فتح الله كولن، رسالة إلى منظمة الأمم المتحدة، بعدما سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل ما في وسعه من قوة وإمكانات لإعلانه – أي كولن – “شخصية إرهابية” ،ويبدو أن العالم أجمع، وليس الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحده، لا يأخذ ادّعاءات أردوغان بخصوص هذا الأمر، على محمل الجد.
ولقد شهدت اجتماعات قمة السلام التي حملت عنوان “استنفار المجتمع المدني لتأسيس السلام العالمي” في مركز الأمم المتحدة بجنيف، التي نظمها وقْف الصحفيين والكتاب (GYV) التركي بالتعاون مع معهد الحوار السويسري وجامعة جنيف حضور” نجوم” بمعنى الكلمة، وقد حضر القمة 800 مشارك من 50 دولة، وحاضر فيها طارق رمضان حفيد الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وإيلا غاندي حفيدة المهاتما غاندي الذي يزين تمثاله الذي يجلس القرفصاء حديقةَ مركز الأمم المتحدة في جنيف وتحته عبارة ” حياتي هي رسالتي “، وجونّار جوهان ستالسيت عضو لجنة جائزة نوبل بالنرويج.
وقد افتتح السيد كولن مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في مركزها بجنيف الذي يستضيف نحو 70% من فعاليات الأمم المتحدة، ويعمل به 9500 موظف تابع للمنظمة العالمية، أي أكثر من العاملين في مركز المنظمة بنيويورك، ومدينة جنيف تستضيف سفارات 176 بلدًا من أصل 193 بلدًا عضوًا بالأمم المتحدة، ولم يحضر الأستاذ كولن الجلسة بذاته، غير أن القاعة كانت مليئة بالحضور أثناء عرض كلمته.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا نظرنا إلى جميع المتغيرات التي تشهدها تركيا، فسيجب علينا أن نقلق قلقًا شديدًا؛ إذ أن تركيا تسير بسرعة في طريقها نحو أن تكون دولة تفقد سلامها وطمأنينتها الداخلية.[/box][/one_third]يقال إن مقربين من حكومة حزب العدالة والتنمية قد “مرّوا” سابقا ببعض المشاركين من المشاهير، ونبهوهم بعدم المشاركة في برامج حركة الخدمة التي اتهموها ب”العمل لصالح جهاز الاستخبارات الأمريكي” ،وزار فريق الحكومة التركية أحد المشاركين في القمة، لن أفصح عن اسمه، لتحذيره من الاستماع لخطاب كولن مع ذكر نفس الفرية، فما كان من هذا الشخص إلا أن وجّه سؤالًا استهزائيا لهم بقوله “ألم تكن حركة الخدمة تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي؟” ، ولا شك في أن الرد الذي أجاب به فريق حكومة أنقرة لم يكن مقنعًا، إذ شارك بعدها في المؤتمر، وألقى كلمة استفدنا منها جميعًا.
وقد طرح دانييل هيسلوب، أحد باحثي معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا، واحدًا من أكثر تحليلات قمة السلام إثارةً، ويسعى المعهد لجعل السلام قابلًا للقياس؛ إذ حدد 8 عناصر أساسية للمجمعات المسالمة والمطمئنة والمتسامحة مع نفسها، ويشير البحث إلى أن المجتمع السلمي يلزمه أقل مستوى من الفساد، ومستوى مرتفع من التعليم، وحرية حركة المعلومة (الأخبار)، والعلاقات الجيدة مع دول الجوار، والاعتراف بحقوق الآخرين، والتوزيع العادل للموارد، وتوفير بيئة العمل الآمنة، والبيروقراطية العاملة بشكل جيد. وتحصّن هذه العناصر بعضها البعض بشكل مرتبط ومتبادل سواءً بالإيجاب أو السلب.
والآن، فلننتقل لتقييم وضع “تركيا الجديدة” بحسب هذه القيم والمعايير، وأرجح المرور مر الكرام على مسألة المستوى المنخفض للفساد؛ إذ إن شرحه سيكون من قبيل الإسراف في الكلام، أما بالنسبة لمستوى التعليم، فإذا فكرنا في النظام التعليمي في تركيا الذي نسينا أنه أُدخل عليه العديد من الإصلاحات والتعديلات، نرى – بوضوح – أن تركيا الجديدة بعيدة كل البعد عن أهدافها، كما كانت تركيا القديمة، فيما لو انتقلنا للحديث عن مسألة التدفق الحر للمعلومات، فسيكفينا أن نلقي نظرة على صحافة تركيا الجديدة والصحفيين الذين يطرَدون من أعمالهم. فيما إذا أردنا الكلام عن العلاقات الجيدة بالجيران، يمكن أن نشير إلى المرحلة التي وصلت إليها سياسة “تصفير المشاكل(أي إنهاءها كليا) مع دول الجوار”.
وإذا انتقلنا بالحديث عن بيئة العمل الآمنة، نجد أن ما يشغل بالنا هو اتهام الرئيس أردوغان لبنك آسيا وتهديده بالإغراق، بالرغم من كون هذا جرم يعاقب عليه القانون، والتدخلات في عمل البنك المركزي، ناهيك عن العمال الذين فقدوا حياتهم في حادثة سقوط المصعد بأحد المشاريع الكبرى بإسطنبول.
وإذا نظرنا إلى جميع المتغيرات التي تشهدها تركيا، فسيجب علينا أن نقلق قلقًا شديدًا؛ إذ أن تركيا تسير بسرعة في طريقها نحو أن تكون دولة تفقد سلامها وطمأنينتها الداخلية.
ولقد فصّل معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا عناصر السلام الثمانية هذه، وأعدّ تصنيفًا للسلام العالمي وفق 22 متغيرًا، جاءت فيه تركيا في المركز 128 من بين 162بلدًا. وللأسف فإن دولًا مثل أنجولا والكاميرون والكونغو وموريتانيا وهندوراس وجواتيمالا والإكوادور، تتقدم على تركيا في هذا التصنيف.
علينا، في النهاية، أن نهنئ وقْف الصحفيين والكتاب الأتراك على تنظيمه مؤتمرًا للسلام العالمي في يوم الأمم المتحدة الذي صادف 24 أكتوبر / تشرين الأول الجاري، وذلك بعدما سخّرت الحكومة التركية كل إمكاناتها لإعلان الوقْف مركزًا لتنظيم “إرهابي”، أي حركة الخدمة، وأتعجب كثيرًا من امتناع الإعلام الموالي لحكومة حزب العدالة والتنمية إلى الآن، بعد مرور ثلاثة أيام على المؤتمر، عن نشر عناوين صحفية من قبيل “الأمم المتحدة الموازية: الإرهابيون يعقدون مؤتمرًا للسلام في الأمم المتحدة”.