أحمد توران ألكان
تلجأ الحكومة التركية إلى هراء “الكيان الموازي” لتحويل انتباه المجتمع إلى “القضايا الداخلية” كلما واجهت وضعا صعبا في السياسة الخارجية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] تذكروا لو سمحتم الرفض الدبلوماسي “البارد” الذي حصل عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما طلب من نظيره الأمريكي باراك أوباما إعادة الداعية المعروف الأستاذ فتح الله كولن إلى تركيا، ولسبب ما، فإن الوهم الذي يسعى أردوغان لترويجه في الداخل بقوله: “نحن تحت خطر الكيان الموازي”، لا يؤخَذ على محمل الجد في الخارج، لكن لا يضر مادامت هناك فئة معينة داخل تركيا على استعداد تام لتصديق هذا النوع من السفسطة.[/box][/one_third]ربما تذكرون، فقد بادر حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تسويق أحداث التمرد، التي بدأت في جميع ربوع تركيا في آن واحد يومي 7 و 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى الرأي العام من خلال عبارة “الكيان الموازي يقف وراء أحداث كوباني” ،ولم يعد هناك داع للبحث عن رابط معقول بين الافتراء والحقيقة؛ إذ تحول الرأي العام في تركيا منذ 10 أشهر إلى المجنون بسبب حملات تغيير الوعي المستمرة.
ولقد نفعهم هذا المخطط كثيرا منذ 10 أشهر، لكن ثقب الفضيحة كبر واتسع لدرجة كبيرة حتى بدأت عمليات تزييف وعي المجتمع تظهر بكل وضوح، وأصبح الناس في تركيا يفكرون على النحو التالي: “متى عادت الحكومة لترويج فكرة الكيان الموازي، فهذا يعني أنها تعاني بشكل جدي من مأزق في مكان آخر”.
وأكثر ما يضحك في الأمر هو محاولة الحكومة” بيع” التكتيك نفسه للإدارة الأمريكية، تذكروا لو سمحتم الرفض الدبلوماسي “البارد” الذي حصل عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما طلب من نظيره الأمريكي باراك أوباما إعادة الداعية المعروف الأستاذ فتح الله كولن إلى تركيا، ولسبب ما، فإن الوهم الذي يسعى أردوغان لترويجه في الداخل بقوله: “نحن تحت خطر الكيان الموازي”، لا يؤخَذ على محمل الجد في الخارج، لكن لا يضر مادامت هناك فئة معينة داخل تركيا على استعداد تام لتصديق هذا النوع من السفسطة.
لكن الأمور اتجهت إلى عقبة كؤود هذه المرة؛ إذ انقلبت سياسة الحكومة تجاه الشرق الأوسط، التي كانت تدافع عنها بصرامة وتقف ورائها بإصرار كبير رأسًا على عقب خلال أسبوع واحد فقط، وأظهرت واشنطن هذه المرة أنها لا تأخذ أطروحات تركيا الأساسية حول المنطقة، على محمل الجد، لدرجة أنها استعملت أسلوبا صارما لا يمكن توصيفه بالمجاملة الدبلوماسية على الإطلاق، وقبل أن يمر حتى أسبوعين على استنتاج أردوغان الذي قال فيه: “ها هي مدينة كوباني على وشك السقوط”، لم تكتفِ الوحدات العسكرية الأمريكية بإنزال أسلحة ثقيلة في كوباني، بل شنت المقاتلات الأمريكية هجمات فورية على مواقع تمركز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)، الذي يسعى للسيطرة على المدينة، ودعمت المقاومة في كوباني، وأثبتت أنها تقف إلى جانب الإدارة الكردية في منطقة روج آفا بسوريا بكوادرها العسكرية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] يبدو أنه لا أحد في الخارج يأخذ السياسة التركية على محمل الجد، وإذا كانت الحكومة التركية تستطيع تكليف الشرطة بشن حملات الدهم لإلقاء القبض على رجال الأمن، فإنه يتوجب عليها أن تنتبه جيدًا في التعامل مع حليفتها الولايات المتحدة حتى لا تدهس قدمها وهي (تركيا) “ترقص” مع الكيان الموازي المحلي الحقيقي والأصلي (تنظيم أرجينكون الانقلابي) الذي توطن وتغلغل داخل الدولة.[/box][/one_third]وماذا عسى الحكومة التركية أن تفعل؟! وقد اشتهرت برعاية الشخصيات المحبة للخير (كان أردوغان قد وصف رجل الأعمال الإيراني المتهم في قضية الفساد والرشوة رضا ضراب بـقوله “هو رجل أعمال محب للخير”)، واضطرت لفتح ممر لعبور قوات البشمركة الكردية فورًا إلى كوباني حتى تساهم في الدعم الإنساني ولو بقدر نملة .
وهل من الإنصاف ظلم شخص شجاع لهذه الدرجة يا أمريكا؟ ولقد شاهد المسؤولون الأتراك خلال الأيام العشرة الماضية، بدهشة وقشعريرة، نظراءهم الأمريكيين وهم يدمرون جميع الأطروحات التي دافعوا عنها بكل ما يملكون من قوة. ولا شك أن تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يشرح لنا بعبارة واحدة قصر نظر السياسة الخارجية التركية وعدم تنبؤها بالمستقبل في تعاملها مع الأزمة السورية؛ إذ قال: “لقد حدث التغيير في السياسة التركية بناءً على طلب واشنطن”.
غير أن المسرحية الحقيقية ستبدأ بعد هذه المرحلة؛ إذ أنه من الواضح أن الولايات المتحدة تستعد لتولي مسؤولية في كوباني من خلال دعمها التعاطفي، ومعنى ذلك واضح للغاية، فاليوم الكانتونات الكردية الثلاثة الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، (وتحت سيطرة حزب العمال الكردستاني (PKK) بطريقة غير مباشرة حسبما ترى الحكومة التركية)، تقع تحت الرعاية الأمريكية، وإن بدت هذه الكانتونات الثلاثة، عفرين وكوباني والجزيرة، منفصلة عن بعضها البعض حاليًا، فإن هذا الدعم الأمريكي سيساهم في وضعها تحت حماية أمنية مع تأمين الاتصال الفعلي بينها، وأخيرا ستحظى بالاعتراف الدبلوماسي بها.
إن هذه الحقيقة “واضحة وجليّة”!. وفي الوقت الذي تبدو فيه حكومة أنقرة قد أبعدت خطر داعش، الذي اقترب من حدودها كثيرا، بفضل حليفتها واشنطن وبطولية مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي كانت تعتبره حتى قبل نصف ساعة تنظيمًا إرهابيًا، فإن المسؤولين الأتراك لا أظنهم يتغافلوان عن قراءة وفهم الرسالة التي تفيد بأن على تركيا بعد الآن العيش في سلام ووئام مع جيرانها الجدد .
ويبدو أنه لا أحد في الخارج يأخذ السياسة التركية على محمل الجد، وإذا كانت الحكومة التركية تستطيع تكليف الشرطة بشن حملات الدهم لإلقاء القبض على رجال الأمن، فإنه يتوجب عليها أن تنتبه جيدًا في التعامل مع حليفتها الولايات المتحدة حتى لا تدهس قدمها وهي (تركيا) “ترقص” مع الكيان الموازي المحلي الحقيقي والأصلي (تنظيم أرجينكون الانقلابي) الذي توطن وتغلغل داخل الدولة.
صحيفة” زمان” التركية
22/10/2014