أكرم دومانلي
مهما اختلفت الآراء وتعددت التأويلات ثمة حقيقة واضحة، وهي أن العدل ينزف والثقة بالقضاء في أدنى مستوياتها، لأن نظام القضاء يعمل بشكل مزدوج، فمن ناحية، نراهم يتسترون على الجرائم التي تستند إلى وثائق ومعلومات ملموسة، ومن ناحية أخرى نجدهم يستحدثون جرائم بغريزة انتقامية، ويقومون بتأسيس محاكم لأغراض سياسية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]مهما اختلفت الآراء وتعددت التأويلات ثمة حقيقة واضحة، وهي أن العدل ينزف والثقة بالقضاء في أدنى مستوياتها، لأن نظام القضاء يعمل بشكل مزدوج، فمن ناحية، نراهم يتسترون على الجرائم التي تستند إلى وثائق ومعلومات ملموسة، ومن ناحية أخرى نجدهم يستحدثون جرائم بغريزة انتقامية، ويقومون بتأسيس محاكم لأغراض سياسية.[/box][/one_third]هل المواطن التركي ليس على حق عندما يقول: “اللصوص أحرار طلقاء ومطاردوهم في السجون!”؟ فهذا هو المشهد، وقد تحول بعض الأشخاص إلى أفراد “منزَّهة عن المحاسبة” ونالوا حصانة “لايُسأل”، فهل هذه الوضعية سارية كذلك بالنسبة للمواطن العادي؟ بالتأكيد لا، ولقد أطلِق سراح المتهمين صراحةً بتلقي رشاوى والضلوع في أعمال الفساد وغسل الأموال والفساد في المناقصات والاختلاس، على الرغم من وجود كمية هائلة من الوثائق القانونية التي تدينهم، ولم يكفِ هذا، بل أغلقوا ملف التحقيق في القضية، و”صفّروا”(انتهوا منها وجعلوها صفرا)، الأسبوع الماضي، ملفات الاتهام بحق 53 متهمًا من بينهم رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب وأبناء الوزراء المستقيلين والعديد من “الشخصيات المعتبرَة” ،لكن أربعة وزراء كانوا قد اضطروا لتقديم استقالاتهم بسبب الأدلة التي كشفتها التحقيقات؛ إذ كان ملف التحقيق يضم كمًا هائلًا من الأدلة القوية والملموسة، واليوم لم يعد هناك أي متهم مدان في فضيحة الفساد التي كُشف عنها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولن يمثل أحد أمام القانون بالضبط كما حدث لـ”الشخصيات المرموقة” في موجة الفساد الثانية التي ظهرت على السطح يوم 25 من الشهر نفسه.
وفي اليوم ذاته، الذي صدر فيه قرار وقف الدعوى الذي برّأ رضا ضراب ومساعديه، تم نقل رجال الشرطة الذين تولوا التحقيقات في قضية الفساد، والذين اعتقلوا بعد أشهر من انطلاق التحقيقات (من قبل محكمة أسست فيما بعد )، في سجن سيلفري بإسطنبول! سجن سيليفري الذي كان المتهمون في قضية تنظيم أرجينكون الانقلابية قابعين فيه فترة من [one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بينما يتجول المتهمون بأدلة ملموسة بالفساد والسرقة وغسل الأموال بكامل الحرية أحرارا طلقاء، نجد المسؤولين الأمنيين الذين نفذوا التعليمات الصادرة من النيابة العامة والمحكمة، ينفون من سجن إلى آخر، فما هو الدليل القانوني لاتهام رجال الشرطة هؤلاء؟ لا شيئ؛ لا شيئ على الاطلاق! لأن الادعاءات المطروحة ما هي إلا بيانات وتعليقات سياسية واعترافات تم الحصول عليها من الذين أرغموا على ذلك وليست لها أية قيمة في الواقع.[/box][/one_third]الزمن، وكانت مشاعر الانتقام تسيطر عليهم لدرجة لم يستحيوا معها عن إخفاء أمر نقلهم في يوم الزيارة عن محامي المتهمين وذويهم، وأرغموا الزوار الانتظار لساعات طويلة أمام بوابة السجن ، ثم قالوا لهم: “لا يمكن لكم زيارتهم لأنهم ليسوا هنا وتم نقلهم من هنا إلى سجن آخر!”.
بينما يتجول المتهمون بأدلة ملموسة بالفساد والسرقة وغسل الأموال بكامل الحرية أحرارا طلقاء، نجد المسؤولين الأمنيين الذين نفذوا التعليمات الصادرة من النيابة العامة والمحكمة، ينفون من سجن إلى آخر، فما هو الدليل القانوني لاتهام رجال الشرطة هؤلاء؟ لا شيئ؛ لا شيئ على الاطلاق! لأن الادعاءات المطروحة ما هي إلا عبارة عن بيانات وتعليقات سياسية واعترافات تم الحصول عليها من الذين أرغموا على ذلك وليست لها أية قيمة في الواقع.
المشهد واضح: أطلق سراح “الشخصيات المعتبرَة” من خلال ضغوط وتعليمات سياسية، بينما يسجَن مَن ليست لهم أية تهمة غير أدائهم لمهمتهم التي خولتها القوانين لهم، وفي إطار القانون.
لا داعي للحديث طويلًا، فيكفينا اقتباس صغير من التاريخ لشرح كل شيء: امرأة من قبيلة بني مخزوم تسرق وتثبت عليها الجريمة، وعلى الرغم من ذلك، يتدخل البعض مطالبين بعدم معاقبتها لأنها من أسرة مرموقة، ولأنهم لم يستطيعوا تقديم ذلك الطلب إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة، اختاروا أن يكلفون شخصًا يحبه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسامة بن زيد، المعروف بحِب الرسول له، ليعرض عليه هذه الفكرة، فما إن سمع النبي عليه الصلاة والسلام هذا الكلام حتى انفجر غاضبا وقال: “إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد” ،وكان هذا استشهادًا رائعًا من النبي عليه السلام والسلام، يكفي للكشف عما إذا كان ميزان العدل والظلم سارٍ أم لا، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاستشهاد بحكم عظيم أمام الجميع؛ إذ أضاف: “وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
صحيفة “زمان” التركية