علي يورطاجول
كنت مع السياسي الألماني دانييل كوهين بنديت في أنقرة. وكان محور كلامنا يدور حول علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي. ولم كان حزب الرفاه قد أُغلق بعد.
ولقد استقبلنا رجائي كوتان، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الفضيلة بالبرلمان التركي، برفقة مجموعة من النواب البرلمانيين وكان من بينهم عبد الله جول وبولنت آرينتش. وعندما انتقلنا بالحديث عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ألقى السيد كوتان كلمة مقتضبة قال فيها: “تعلمون أن حزب الرفاه المحظور الذي كنا ننتسب له، كان يعارض حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي؛ إذ كان يعتقد أن هذه العضوية ستسلخ تركيا عن العالم الإسلامي والشرق الأوسط. أما نحن في حزب الفضيلة فنظرتنا إلى هذه المسألة مختلفة. وندعم مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي لسببين؛ أولهما حرية الاعتقاد السائدة في أوروبا، والتي يعتبر العمل بها كذلك في تركيا أمر مطمئن بالنسبة لنا. ونؤمن بأننا سنتمكن من حل هذه المشكلة الرئيسة التي تعاني منها تركيا من خلال عضوية الاتحاد الأوروبي. أما السبب الثاني، فهو مسألة الديمقراطية. ولقد رأينا أننا لن نستطيع الحكم في تركيا بصفة حقيقية، حتى وإن فزنا في الانتخابات، دون إقامة نظام ديمقراطي حقيقي. ونحن ننظر إلى عضوية الاتحاد الأوروبي باعتبارها عملية تحول ديمقراطي، ولذلك ندعمها”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بدأت معايير الاتحاد الأوروبي تشكل حجر عثرة أمامهم للوصول إلى أهدافهم. وكما أن انتهاك حرية الاعتقاد في تركيا بحسب معايير الاتحاد الأوروبي، ولو عن طريق العودة إلى دستور انقلاب عام 1980 لا يشكل معضلة. فما يهتم به حزب العدالة والتنمية حاليا هو منح قوات الأمن المزيد من الصلاحيات لاستعمال القوة المفرطة والحصانة، وذلك لينجزوا ما يحلو لهم دون أن يؤاخذهم أحد، وليس الاهتمام بالحقوق والحريات الأساسية.[/box][/one_third]كانت تلك الأيام هي الأيام التي أُغلق حزب الفضيلة بعدها بوقت قصير، وفُرض فيها الحظر الصارم على ارتداء الحجاب، وسُحقت فيها تركيا تحت وطأة انقلاب 28 فبراير / شباط 1997، ولقد أصبح الاتحاد الأوروبي، في تلك الأيام، مصدر أمل بالنسبة للسياسيين المنحدرين من حزب الرفاه. وكان لهذه الفكرة تأثير كذلك بين صفوف حزب العدالة والتنمية الذي تأسس بعد إغلاق حزب الفضيلة. وقد اكتسبت مفاوضات العضوية بالاتحاد الأوروبي الأهمية في ديسمبر/ كانون الأول 1999، واستمرت بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002.
وإذا لاحظتم، فليس هناك أي بُعد أو سبب اقتصادي في نظرة رجائي كوتان لعضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي، فيما أدرك حزب العدالة والتنمية البُعد التأسيسي للاتحاد الأوروبي، أي أهميته الاقتصادية، خلال فترة قصيرة من تشكيله غير المتوقع للحكومة، وليس وصوله إلى السلطة حقا وبالفعل. وبهذه الطريقة، انضمت أسماء أخرى داخل حزب العدالة والتنمية إلى داعمي مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي من أجل حرية العقيدة والديمقراطية (ويمكن لكم أن تقولوا من أجل حصول الحزب على قوة حقيقية في الحكم) إذ أدركوا أهمية الاتحاد الأوروبي للمستقبل الاقتصادي مثل نائب رئيس الوزراء علي باباجان. وكانت هذه المجموعة الأخيرة، وإن لم تكن مؤثرة داخل الحزب، تمثل أهمية بالنسبة لـ”نمور الأناضول”(رجال الأعمال الأتراك) الذين انفتحوا على العالم خلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق المرحوم تورجوت أوزال، أي رجال العمل المقربة من حزب العدالة والتنمية. وعليه، أصبح التيار السياسي المنحدر من حزب الرفاه، من الذين يعارضون عضوية الاتحاد الأوروبي، والذين كانوا لا يزالون موجودين بين صفوف حزب العدالة والتنمية، ضعيف الأثر وأصبح في الهامش بشكل كبير.
إلا أنه مع الأسف لم يعد لدى حزب العدالة والتنمية هذا التوازن السياسي الذي أكسب مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي الدَفعة اللازمة. وبحسب الدائرة المحيطة بالرئيس رجب طيب أردوغان، وهي صاحبة الكلمة العليا داخل أروقة الحزب، فإن حرية العقيدة قد حُلت، ولم يعد هناك حاجة للاتحاد الأوروبي كعنصر ميسّر للتمكن من السلطة كما كان مطلوبا سابقا، والأهم من ذلك أن هذه الدائرة تعتبر أنهم وصلوا إلى سدة الحكم، ولم يعودوا في حاجة إلى هذين العنصرين. وترى هذه الكوادر أن الديمقراطية “أداة” أو عبارة عن وسيلة للفوز بالانتخابات. كما بدأت معايير الاتحاد الأوروبي تشكل حجر عثرة أمامهم للوصول إلى أهدافهم. وكما أن انتهاك حرية الاعتقاد في تركيا بحسب معايير الاتحاد الأوروبي، ولو عن طريق العودة إلى دستور انقلاب عام 1980 لا يشكل معضلة. فما يهتم به حزب العدالة والتنمية حاليا هو منح قوات الأمن المزيد من الصلاحيات لاستعمال القوة المفرطة والحصانة، وذلك لينجزوا ما يحلو لهم دون أن يؤاخذهم أحد، وليس الاهتمام بالحقوق والحريات الأساسية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لن تستطيع تركيا العودة إلى مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي وتحقيق مبادئ الديمقراطية إلا من خلال تخطيها لحزب العدالة والتنمية، كما تخطت في السابق انقلاب عام 1997 وتوابعه.[/box][/one_third]ولم تعد إدارة حزب العدالة والتنمية ترى أن هناك إرادة مشتركة حملت الحزب إلى السلطة، وأكسبتهم القاعدة الشعبية الوسطية التي كانت تابعة من قبل لحزبي الطريق القويم والوطن الأم، وحالت دون وقوع المزيد من الانقلابات العسكرية، وجعلت السلطة العسكرية تقتنع بأن القيام بانقلاب جديد أمر مستحيل ولا جدوى منه، كما جعلت الكوادر العليا من القوات المسلحة كذلك تقتنع بأن مستقبل تركيا هو في عملية التحول الديمقراطي ومفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي. ويبدو أنها (إدارة الحزب) اتخذت قرارًا بتنفيذ مشروع حزب الرفاه الذي لم يحصل على دعم أكثر من 10% من الشعب، وذلك من خلال “حالة السكر” الذي أصيبوا بها بسبب بقائهم في السلطة لفترة طويلة.
ويكفي أن نلقي نظرة خاطفة على تقرير الاتحاد الأوروبي لعام 2014 أو القوانين التي ألغتها المحكمة الدستورية في تركيا خلال الأشهر الستة الماضية، حتى ندرك أن الطريق التي تسير فيها تركيا ليس له علاقة من قريب أوبعيد بالديمقراطية. فلم يعد هناك مشروع لدى حزب العدالة والتنمية بخصوص عضوية الاتحاد الأوروبي؛ لكن الحزب لا يريد قطع العلاقات كليا مع الاتحاد لأنه لا يستطيع تحمل فاتورة البُعد الاقتصادي لهذا الإجراء.
وفي الواقع، ثمة سياسة مشابهة تسيطر على الأجواء في بروكسل كذلك. فلم نشهد تشكيل أي مسودة قانون في تشريعات الاتحاد الأوروبي منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم يشعر أحد في تركيا حتى بضرورة اطلاع مؤسسات الاتحاد الأوروبي على التطورات في هذا المضمار، ناهيك عن التفاوض بشأنها. ما رأيكم، لماذا لا تبادر بروكسل إلى قطع علاقاتها مع أنقرة على الرغم من محاولات الحكومة التركية لانتهاك الدستور التركي، وليس معايير الاتحاد الأوروبي فقط؟ والجواب هو أن بروكسل لا تريد أن تكون هي الطرف الذي يقطع العلاقات فتدفع فاتورة ذلك. فتركيا أثبتت، مرة ثانية، تحت حكم حزب العدالة والتنمية، أنها دولة شرق أوسطية تمتلك “أهمية إستراتيجية” محدِّدة. ولن تستطيع تركيا العودة إلى مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي وتحقيق مبادئ الديمقراطية إلا من خلال تخطيها لحزب العدالة والتنمية، كما تخطت في السابق انقلاب عام 1997 وتوابعه…
صحيفة”زمان” التركية