علي بولاج
حياة المسلم على وجه الأرض تعني تطبيق عقيدة التوحيد في الحياة، وتحري الحق والعدالة في كل تصرفاته وسلوكياته.
فالعدل أساس النظام على وجه الأرض كما هو أساس الملك في عالم الوجود والخلق، والعدل هو أن يكون كل شيئ في مكانه المطلوب والصحيح وأن يعطى كل ذي حق حقه، وفي هذه الحالة ينبغي على المؤمنين احترام الحقوق دومًا فيما بينهم في العلاقات الاجتماعية، في الأسرة، الجوار، القرابة، التجارة والاقتصاد، الإدارة والسياسة، في تنظيم الحياة، في العلاقات بين المجتمعات والدول وغيرها من العلاقات الإنسانية.
كما يجب على المؤمنين تجنُّب التصرفات والمواقف المخلة بحقوق الآخرين، وعليهم أن يفعلوا ذلك ابتغاء وجه الله، فالعدل هو أساس السلام والطمأنينة والكمال الأخلاقي، وقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة(8).
وإن عدم التفاهم في أي موضوع يؤدي إلى الحقد والعداوة والتفرقة والتحزب وأخيرًا إلى الشجار، هذا “ما يقع” أما “المطلوب” فهو إزالة الخلاف من خلال الأحكام والقواعد المتبعة، فإذا طُبقت الأحكام بشكل صحيح ومناسب تكون العدالة ميزانا وأساسا في المجتمع، وحينها لا تبقى شحناء عند أحد ، فلو قُطع الأصبع لا يشفق عليه أحد(أو لا يؤلم حقيقة) لأن الذي استوجب قطعه هو الشريعة (القانون)، أما إذا تم إهمال الأحكام وتم تجاوز الحدود وتطبيق أحكام تعسفية فذلك يؤدي إلى جرح الأفئدة والخصومة تتبعها خصومات.
فعلى سبيل المثال إذا قتل أحدٌ قريبًا لكم، فليس من العدل أن تقتلوا قريبًا له مع أنه برئ، فالجرائم فردية، ولا يمكن أن يُعاقب أحدٌ بسبب جرم غيره، فإن ارتكب شخص أو عدة أشخاص من أتباع مجموعة ما جريمة، يجب أن يحاكم هؤلاء المجرمون من قبل محاكم عادلة، فإن عوقبت المجوعة كلها، ووضع جميع أفرادها تحت المراقبة، وحُرم محبوها من وظائف الدولة وطُردوا من أعمالهم، وعُزلوا عن الحياة الاجتماعية، وتم التخطيط لمصادرة أموالهم وممتلكاتهم يكون كل ذلك ظلما كبيرا ناتجا عن الحقد.
وإن العقوبة الجماعية والقتل الجماعي يتجاوزان حدود الحقوق لأن الجرائم والعقوبات فردية، فالانتقام غير مشروع ولو كان عن طريق القانون، وقد أشار الإمام القرطبي إلى أمر مهم وهو: “لا يجوز ظلم الكافر، ويمكن ان يحارَب العدوُّ فيقتَل في الحرب، ولكن هذا الأمر لا يجوز في الأوقات الطبيعية لأنه حينها يعدُّ ظلمًا، والوقت الطبيعي هو كل وقت ما عدا وقت الحرب، وحتى في أوقات الحرب لا يجوز التمثيل بالأعداء(قطع بعض أعضاء العدو بغرض التنكيل أو بعد قتله).
فالكفار أو أعداؤنا ظلموا أطفالنا ونساءنا وسببوا لنا الكثير من الأذى، ولكننا لا نعامل نساءهم وأطفالهم بالمثل، فلا نعاقب أطفالهم بشكل جماعي ولا نقتل المدنين منهم. فان فعلنا ذلك سنكون قد ابتعدنا عن العدالة وخالفنا أمر ديننا “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ” من خلال التصرف بالحقد على المجموعة، فالعدل “أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” ، والتقوى أعلى القيم، وهي أعلى مرتبة عند الله.
وإن العدل والتصرف بشكل عادل ليس محصورًا في الخلافات القضائية فحسب، صحيح أن الحكم بين الخصوم مبني على أساس العدل، ولكن قول الحق والشهادة الصادقة والمعاملة في المكاييل والمقاييس بالقسط أيضًا تعتبرمن العدالة، ويرى إسماعيل حقي الإزميري أن هذه الأمور هي “عدالة ظاهرية”، وأن هناك “عدالة باطنية” حيث قال: “إن محاسبة النفس لدى الإنسان وتطهير القلب من المساوئ وجعله صافيًا نقيًا هو من تجليات العدالة الباطنية، ومن جملة ما يدخل في هذا الباب أيضًا مراعاة الأحكام الشرعية والرضا بما قدر الله والتحلي بالأخلاق الحسنة”.
وباختصار حين تكون العدالة موضوع الحديث يجب علينا أن نخشى الله ونتقيه في كل الأحوال، لكن هناك من سيقول: وهل المسلمون اليوم يتعاملون بالعدل فيما بينهم؟ والجواب الوحيد لهذا السؤال هو: “لا” ،فالصراعات المذهبية والعرقية، والحقد والعداء المتبادل بين الفرق والمجموعات أدت إلى نسيان المسلمين للعدالة والحقوق، المسلمون يعلمون ذلك ولكنهم لا يعملون وفق دينهم، فهم يقولون إنهم يؤمنون به ولكن إيمانهم لا يغير حياتهم، فهم لا يؤمنون بالعدالة الباطنية حتى يكون لديهم اهتمام وسعي لتحقيق العدالة الظاهرية أو الموضوعية.
والعالم يظن أننا على هذا الوضع الدنيء بسبب ديننا، والحقيقة هي أننا نفعل كل ما يخالف ديننا، وأول ما سيشتكي منا في الآخرة هو ديننا.
صحيفة” زمان” التركية