سيفجي أكارتشمه
نحس بمشاعر الضغط والانحباس في الداخل منذ فترة طويلة. ومؤخرًا أطلق الأكراد في تركيا “مظاهرات جَيزي بارك كردية” كموجة غضب عارمة احتجاجًا على ما يحدث على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا في بلدة كوباني (عين العرب)، وذلك بعدما شعروا بأن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت “تراوغهم” بشأن مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني التي لا يعرف أحد شيئًا عن تفاصيلها ، غير بعض المسؤولين بالدولة قليلي العدد، تلك المفاوضات التي تُلصق تهمة عداوة السلام بكل من يسأل عن التفاصيل بشأنها.
رسب الذين كانوا يقولون “إن سوريا وفلسطين وحتى ميانمار تعد قضايا داخلية بالنسبة لنا” في اختبار الصدق والإخلاص عندما تغاضوا عما يحدث في كوباني بقولهم “ما لنا وما يحدث هناك!”.
إن حزب العمال الكردستاني (PKK) واتحاد المجتمعات الكردستانية (KCK) ليسا منظمات مجتمع مدني ، لكن أحدًا لا ينكر أن مثل هذه التنظيمات تجد ترحيبًا لدى فئة من الأكراد، سواء شئنا أم أبينا، وأن هناك من تغاضى عن هذه المنظمات وسمح لها لتقوية بنيتها بحرية ، حتى لا تتضرر مفاوضات السلام، وأسسوا “كيانًا موازيًا” بشكل أو بآخر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]على الرغم من جميع الأخطاء التي قد تكون الإدارة التركية ارتكبتها ، فلا يخفى على أحد أن عبور جندي تركي واحد الحدود الجنوبية لبلاده سيكون أكبر خطأ يرتكَب على الإطلاق، فحتى الآن هناك قدر كاف من الأسباب للشعور بالقلق من إقدام داعش على شن هجمات إرهابية داخل تركيا.[/box][/one_third]نلاحظ تغاضيًا مماثلًا في الموقف التركي، وهذا أقل تعبير يمكن أن نستخدمه لرسم الصورة كاملة، إزاء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) الذي نمت قدراته وظهر بعد أن صار وحشا في سوريا مؤخرًا، ولا شك في أن الرأي الذي يقول إن تركيا تدعم داعش منتشر جدًا في الغرب، وإن كان بعض المسؤولين الغربيين كنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اعتذروا من تركيا بسبب تصريحاتهم حول هذا الشأن، وذلك حتى لا يخسروا تركيا كحليف لهم. ويلفت انتباهنا الأخبار والتحليلات التي يتناقلها الإعلام الغربي، والتي تقول بين السطور لتركيا “أنتِ من دعم داعش، والآن عليكِ أن تتخلصي منه”. لدرجة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُنتقَد لأنه لم يفِ بالتعهدات التي قدمها لنظيره الأمريكي باراك أوباما. وليس من الصعب علينا أن نخمن أن هذه التحليلات تعكس الموقف الرسمي الأمريكي. ويتعجب الواحد منا ويقول “يا ترى ما هي التعهدات التي قدمها المسؤولون الأتراك في نيويورك حتى يستاء الأمريكان من مراوغة أنقرة في الوفاء بها؟”
على الرغم من جميع الأخطاء التي قد تكون الإدارة التركية ارتكبتها ، فلا يخفى على أحد أن عبور جندي تركي واحد الحدود الجنوبية لبلاده سيكون أكبر خطأ يرتكَب على الإطلاق، فحتى الآن هناك قدر كاف من الأسباب للشعور بالقلق من إقدام داعش على شن هجمات إرهابية داخل تركيا. أما ربط أنقرة انضمامها للجهود الرامية لمكافحة داعش بإسقاط نظام بشار الأسد، فدعم التحليلات التي تقول إن “الأسد أصبح هاجسًا بالنسبة لأردوغان وداود أوغلو؛ إذ أنهما يسعيان وراء انتصاراتهم السياسية”. فيما أن رغبة المجتمع الدولي في تحميل مسؤولية داعش كاملةً على تركيا هو ظلم بيّن آخر. بل يجب أن تكون هناك مسؤولية مشتركة في المسائل التي تهم أمن تركيا بصفتها عضو بحلف شمال الأطلسي (ناتو) مثل التعاون ضد تهديدات كداعش وغيرها.
وفي الوقت الذي عرضت فضيحة الفساد ودعم تنظيم داعش تركيا إلى الضغط كذلك في السياسة الخارجية، تواصل وسائل الإعلام الموالية للحكومة تهديدا آخر للمؤسسات الإعلامية التي تعمل بشكل مستقل في الداخل. وكان كاتب صحفي من “المأجورين” قد اتهم صحفيين بالاسم بـ”خيانة الوطن”، ووضع نفسه مكان النائب العام وقدم بشرى (!) مفادها أن هؤلاء سيحاكمون. الأسماء الصغيرة ليست مهمة. الأسوأ في الأمر أن الحكومة التركية تجر البلاد إلى أجواء يعتبر فيها المعارضون خائنين للوطن، وكانت أكثر الأحداث إيلامًا لأنفسنا قراءة هذا المقال الذي سيسجله تاريخ الإعلام التركي على أنه وثيقة عار، أثناء المشاركة في ورشة عمل حول حرية الإعلام أقيمت بمدينة هامبورج الألمانية ، إذ وجّه أستاذ جامعي خبير بالشؤون الإعلامية سؤالًا لنا قال فيه: “لو كنتم تحكمون بلدًا، فكيف كنتم تتصرفون إزاء الصحفيين العاملين لصالح نظام ألمانيا الشرقية في السابق بعد انهيار هذا النظام وهدم سور برلين؟” ،وأنا وجّهت له سؤالًا قلت فيه: “وماذا كنتم ستفعلون أنتم إذا ظهرت مقالات كهذه كتبها صحفيون مؤيدون للنظام في ألمانيا؟”.
لقد تعلمت ألمانيا الدرس اللازم من صدمة الحقبة النازية، لكن هل يجب السقوط إلى أسوأ المستويات في سبيل الحصول على معايير أخلاقية محددة؟ للأسف، سنواصل نحن، الشعب التركي، دفع ثمن طمع السلطة السياسية في المال والقوة والضعف النفسي الذي ينتج عن الطمع.
وفي الوقت الذي انتهى فيها مبدأ الفصل بين السلطات بشكل فعلي،كيف لنا ألّا ننظر إلى طمأنينة بلد مثل ألمانيا، تخلص من مشاكل مشابهة قبل نصف قرن على الأقل.