بقلم – محمد كاميش
كنت أعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سينهي مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني بعدما لم يعد بحاجة إلى أصوات الأكراد عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز بها قبل شهرين، وأنه سيتجه لممارسة سياسة موجَّهة في المقام الأول إلى سكان منطقة وسط الأناضول التي حصل منها على ما يقرب من 70% من أصوات الناخبين حتى وصل إلى القصر الرئاسي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]وضعت الحكومة التركية القضية الكردية في “الثلاجة”، وأوهمتنا بأنها تسعى لحلها، وكانت أولوية الإرادة السياسية في تركيا قد تغيرت لتركّز على شيئ واحد فقط مهم بالنسبة لها، ألا وهو إطلاق عملية “مطاردة الساحرات” ضد جماعة الخدمة، ولم يكن الرأي العام على علم بهذا.[/box][/one_third]وقويت هذه القناعة لديّ عندما استمعت إلى خطاب أردوغان بمدينة طرابزون الواقعة شمال شرق تركيا، الأسبوع الماضي، إذ أعطى إشارة على أنه سيستخدم لغة سياسية قاسية في التعامل مع حزب العمال الكردستاني وقادته في جبال قنديل والتنظيمات المنبثقة عنه، وأعتقد أنه سيقدم على خطوات من شأنها إنهاء هذه المسألة بحجة الأحداث التي شهدتها تركيا مؤخرًا على خلفية سقوط مدينة كوباني (عين العرب) الكردية على الجانب السوري بيد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش).
في الواقع، إن مشروع مفاوضات السلام بين أنقرة والكردستاني كان قد بدأ من أجل تأجيل حل المشاكل في منطقة جنوب شرق الأناضول في الوقت الذي تدخل فيه الحكومة في صراع مع حركة الخدمة. وفي الوقت الذي كانت فيه الخطوات الأولى من هذه المفاوضات تبدأ كان من المستحيل أن يتحدث أحد عن إرادة تضع في طليعة أولوياتها علاج هذا الجرح الغائر وبذل الغالي والنفيس في سبيل إيجاد حل لهذه المشكلة العويصة. بل كانت هناك إرادة سياسية تتحرك بشكل دوري حسب الظروف. ويجب ألا نتغاضى عن جهود بذلها بعض العقلاء من الذين سعوا بصدق لحل هذه القضية وشعروا بألمها في قلوبهم، لكن النية التي كانت تتحرك الإرادة السياسية من أجلها كانت مختلفة تمامًا، بحيث كانت أنقرة تهدف للحيلولة دون أن يشغلها حزب العمال الكردستاني بمفاوضات السلام بينما تشن حملات ضد حركة الخدمة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تسعى للحصول على أصوات الأكراد في الانتخابات الرئاسية، وكان عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المحبوس، يقول هذا صراحةً في لقاءاته مع القادة السياسيين الأكراد في مقر حبسه بجزيرة إيمرالي الواقعة شمال غرب تركيا، التي وردت تفاصيلها في صحيفة” ميلّليّت”.
هذا فضلًا عن أن حزب العمال الكردستاني واتحاد المجتمعات الكردستانية كانا في واقع لا يحسدان عليه، وربما كان الجيش التركي قد بدأ مكافحة الإرهاب بشكل حقيقي، وألحق بهذا التنظيم خسائر فادحة، وفي الوقت الذي كان فيه حزب العمال الكردستاني على وشك الاستسلام، وقعت حادثة القصف الخاطئ الذي نفذته المقاتلات التركية على الحدود العراقية وراح ضحيتها أكثر من 30 مواطنًا كرديًا بشكل غير مفهوم حتى الآن، وقد أعطت هذه المذبحة “قبلة الحياة” للتنظيم.
أوقف الجيش التركي عملياته ضد عناصر التنظيم لأشهر عقب هذه الواقعة، وخلال هذه المدة سنحت فرصة “إعادة ترتيب البيت” من جديد بالنسبة للكردستاني الذي نجح في استعادة الدعم المجتمعي الذي كان قد فقده بنسبة كبيرة، وأنقذت هذه الواقعة الكردستاني وخلصته من كونه تنظيم إرهابي سري، ثم أُنهيت قضية اتحاد المجتمعات الكردستانية، وتُركت منطقة جنوب شرق الأناضول من جديد إلى حزب العمال الكردستاني وقادته بفضل المجزرة التي قامت بها المقاتلات التركية في منطقة أولودره على الحدود العراقية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]عندما ننظر إلى المغامرة السياسية لأردوغان، نرى أنه يتحرك دائمًا في إطار مصالحه السياسية، فلم يعد بحاجة اليوم إلى مفاوضات السلام مع الكردستاني التي كان قد بدأها لتحقيق مصلحة سياسية، أي أن أردوغان ليس بحاجة إلى دعم الأكراد في المجال السياسي بعد اليوم، بل على العكس، فإنه يفكر حاليًا في كيفية الحصول على أكبر نسبة من أصوات أنصار حزب الحركة القومية اليميني في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من خلال سياسات معادية لحزب العمال الكردستاني، وعلينا ألا ننسى أن أردوغان حاذق بهذا النوع من المناورات السياسية.[/box][/one_third]وضعت الحكومة التركية القضية الكردية في “الثلاجة”، وأوهمتنا بأنها تسعى لحلها، وكانت أولوية الإرادة السياسية في تركيا قد تغيرت لتركّز على شيئ واحد فقط مهم بالنسبة لها، ألا وهو إطلاق عملية “مطاردة الساحرات” ضد جماعة الخدمة، ولم يكن الرأي العام على علم بهذا. وقد استمرت وتيرة هذه العملية بسرعة، لدرجة أنه في الوقت الذي كانت فيه الممتلكات تُنهب، وعشرات الأشخاص يلقون حتفهم في الاشتباكات بالشوارع، والأحداث المجتمعية تلتهب، أصدرت إحدى البلديات التركية قرارًا بهدم جدران إحدى المؤسسات التعليمية لحركة خدمة، الأمر الذي يقدم لنا صورة واضحة حول ما تعيشه تركيا في الوقت الراهن.
عندما ننظر إلى المغامرة السياسية لأردوغان، نرى أنه يتحرك دائمًا في إطار مصالحه السياسية، فلم يعد بحاجة اليوم إلى مفاوضات السلام مع الكردستاني التي كان قد بدأها لتحقيق مصلحة سياسية، أي أن أردوغان ليس بحاجة إلى دعم الأكراد في المجال السياسي بعد اليوم، بل على العكس، فإنه يفكر حاليًا في كيفية الحصول على أكبر نسبة من أصوات أنصار حزب الحركة القومية اليميني في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من خلال سياسات معادية لحزب العمال الكردستاني، وعلينا ألا ننسى أن أردوغان حاذق بهذا النوع من المناورات السياسية، فكم من أسبوع يفصل بين إعادة طرح فكرة إعدام أوجلان وبين تحويله إلى رسول سلام؟ وعلى أي حال، فإن أردوغان الذي طرح فكرة إعدام أوجلان من على منبره، كان قد اعتبره رسول سلام من فوق المنبر نفسه.
رأت السلطة الحاكمة في تركيا أن أصواتها الانتخابية لا تزيد في منطقة جنوب شرق الأناضول بفضل وعود مثل حل القضية الكردية من خلال مفاوضات السلام، وأنها لا تستطيع “خطف” الأصوات من حزبي السلام والديمقراطية والشعوب الديمقراطية الكرديين عن طريق هذه الوعود، ويجب ألا ننسى أن هناك عددًا كبيرًا من الجماعات الدينية التي تشعر بالانزعاج من التخلّي عن منطقة جنوب شرق الأناضول بالكامل لصالح حزب العمال الكردستاني، وتوجّه النقد إلى حكومة العدالة والتنمية في هذا الإطار.
إن أردوغان سيتصرف بشكل أكثر صرامة وشدة إزاء حزب العمال الكردستاني، وسيسعى للاستحواذ على أكبر قدر من أصوات ناخبي حزب الحركة القومية من خلال الشعارات الحماسية، أضف إلى ذلك أنه سيضع في حساباته كذلك السعي من جديد لكسب الجماعات الدينية الكردية التي “خاصمته” خلال هذه الفترة.
ليس لديّ أدنى شك في أن أردوغان سيتبع هذه السياسة للوصول إلى مبتغاه، ذلك أننا نعيش في منطقة يشتهر بها المثل الشعبي الشهير “كل ما فات مات!”.