جوكهان باجيك
كان واضحًا منذ البداية أن سقوط سوريا لن يشبه سائر النماذج الأخرى. واليوم، نتحدث عما إذا كانت الأزمة السورية ستتسبب في نشوب “حرب عابرة للحدود” أم لا. ونذكر جميعًا أنه حتى أشهر قليلة مضت كان هناك نقاش دائر بين البعض في تركيا حول ما إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) إرهابيًا أم لا، والآن أصبحت تركيا مرشحة لتكون عنصرًا فاعلًا في التحالف الدولي ضد داعش من خلال “مناورة عجيبة”.
يجب أن نكرر شيأً، إن تركيا تمتلك عضوية في العديد من المنظمات، إلا أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) هو الذي يحدد شكل السياسة الخارجية التي تنتهجها أنقرة، وباختصار: “تركيا عضو بحلف شمال الأطلسي”، نقف أمام هذه الحقيقة، ولم ينجح من ينتقد هذه الوضعية في تغيير هذه الحقيقة.
ما هو الاحتمال؟
لقد ولى زمن النقاشات النظرية وانتهى؛ إذ إن هناك احتمالًا يقول إن خوض تركيا صراعا ساخنا أصبح لا مفر منه بغض النظر عن مستواه أو درجته.
يجب على الجميع في تركيا أن يدون في دفتر ملاحظاته موضوعين، أولهما: “داعش، الميليشيات الكردية (YPG)، كوباني، انهيار سوريا، أمن الحدود، مئات الآلاف من اللاجئين…” كل هذه الأمور تهم تركيا في المقام الأول.
أما بالنسبة للدول التي تقول: “لا تقلقوا نحن ندعمكم” فهذه القضايا تأتي في المقام الثاني وربما الثالث، فيما أصبحت تركيا “جارة للنيران” إن جاز التعبير، ولن تشعر الولايات المتحدة ولا أي حليف آخر لتركيا بلهيب هذه النيران بالقدر الذي ستشعر به تركيا نفسها.
إن الرأي العام العالمي عبارة عن آلية لا يمكن الثقة بها، فلا شك في أنه عندما تعود كل دولة لتنشغل بمشاكلها، لن يبقى سوى تركيا لتتجرّع مرارة المشاكل التي تمخّضت عنها الأزمة السورية.
والموضوع الثاني: هو أن الأزمة السورية أفضت إلى نتائج لم يضعها أحد في حسبانه منذ البداية، أي أنها سارت وتدفقت في تيارها، وهي لا تزال متواصلة إلى الآن على المنوال نفسه، وهناك احتمال كبير جدًا لأن تتمخّض عنها أزمات جديدة لم تخطر على بال أحد أبدًا! ولهذا السبب على من يقولون: “لنسقط نظام بشار الأسد، ولنفعل هذا وذاك” أن يحسبوا الأمور جيدًا.
إن عقدة النقص والثقة المفرطة هما أختان توأمان في السياسة الخارجية، وكلتاهما تتسببان في حدوث الكوارث والأزمات ذاتها.
ما هي المشكلة الأساسية؟
طرح الكاتب مايكل ويرز، من موقع “سنتر أوف أمريكان بروجرس” (CAP) البحثي الأمريكي المعروف بقربه من الرئيس باراك أوباما، سؤالًا في آخر مقال تحليلي كتبه، إذ قال: “هل ترجح تركيا، في التحليل الأخير، إقامة كانتون كردي على الحدود السورية أم تفضل داعش عوضًا عن ذلك؟”.
ولقد قمت بزيارة ذلك المركز البحثي عندما كنت في واشنطن قبيل الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، والتقيت عددًا من الشخصيات العاملة به بمن فيهم مايكل ويرز، وكنت أعرف أنه في الوقت الذي لم تكن فيه تركيا تناقش مسألة داعش بشكل صحيح، كان الأمريكيون يتحدثون عن كيف أن ما يحدث في سوريا ربما يقوّي شوكة السياسة الكردية”، ولهذا السبب أرى أن هناك فائدة في أن نعرف أن هذه الأسئلة التي طرحها الخبراء الأمريكيون لم تنبع من باب الفضول.
وينهي الكاتب الأمريكي ويرز تحليله على النحو التالي: “ينبغي لنا ألا نسمح بسقوط كوباني لأسباب معنوية وإستراتيجية”، وأنا من جانبي أقول إن هذه الجملة تعتبر تلخيصًا جميلًا جدًا لتعاطي النظام الغربي من مركزه في الولايات المتحدة مع الأزمة التي تتاخم حدود تركيا الجنوبية.
يكرر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن شرط بلاده للمشاركة في عملية عسكرية برية في سوريا أن تتضمن أهدافها إسقاط نظام بشار الأسد، فياترى إلى أي مدى تعتبر مسألة إسقاط نظام بشار الأسد ذات أولوية بالنسبة لحلفاء تركيا وفي مقدمتهم الولايات المتحدة؟
بيد أن هناك العديد من المسؤولين في الغرب تراودهم فكرة “لعنة الله على الأسد، لكن إذا أضعفناه، ستستسلم دمشق وما حولها للفوضى”، فتركيا لا تفهم نوبات الهلع التي تسيطر على الدول الغربية بشأن تنظيم داعش، وربما تجعل هذه النوبات من نظام الأسد أكثر قبولًا.
والأدهى من ذلك، ماذا سيكون رد فعل روسيا وإيران إذا تحول التحالف الدولي القائم من أجل القضاء على داعش إلى عملية عسكرية تهدف لإسقاط نظام الأسد؟