بقلم: محمد كاميش
ماذا كنتم تفعلون لو كانت لديكم قوة؟ حسنًا، ماذا لو كانت لديكم قوة كبيرة؟ وماذا كنتم تفعلون إذا كان لديكم قوة كبيرة وكبيرة جدا؟ ويمكننا أن نغير السؤال على النحو التالي: لماذا تريدون أن تكونوا أقوياء جدًا؟
للأسف لم يستطع من يحكمون تركيا اليوم، الذين كانوا قد تعرضوا للظلم في الماضي لسنوات طويلة، أن يردوا بأجوبة صحيحة على هذه الأسئلة، فالذين كانوا ينفذون أعمالًا حميدة أثناء امتلاكهم قوة محدودة، لم يقدروا على المحافظة على توازنهم موازيا لزيادة قوتهم، وفقدوا السيطرة على أنفسهم وأصابهم الغرور تجاه فتنة القوة، لقد كانت تركيا ينظَر إليها حتى ثلاث أو خمس سنوات مضت على أنها نجم يلمع ويتلألأ في سماء المنطقة، ينظر أهلها إلى المستقبل بنظرة ملؤها الأمل، غير أن الحكام الذين انتقلت القوة إلى أيديهم قادوها إلى أكثر الطرق انسدادًا.
عندما انتهت الوصاية العسكرية في تركيا، وعندما انقضى العهد الذي كانت تلعب المؤسسة العسكرية دورا مؤثرا في الحياة السياسية، آثر من يحكمون تركيا استعمال القوة و”الشخصنة” عوضًا عن تحكيم سيادة الحق والعدل والقانون والاحترام والعلم والمعرفة، وكان هذا الاختيار يعني بالنسبة لتركيا سير كل شيء إلى طريق مسدود، فالذين كانوا يقولون لسنوات إنهم يعتبرون السياسة وسيلة للعمل بالمبادئ والبحث عن الحقوق، حوّلوا السياسة إلى وسيلة للثراء الشخصي، وأصبحوا يتصرفون كأنهم امتكلوا الدولة بينما هم يستخدمون الصلاحيات والسلطات المخوَّلة إليهم، ومن ثم بدأوا يحسبون كل جهد وعمل مدني تهديدًا وخطرًا يحدق ببقائهم في السلطة، ونظروا إلى كل نداء للحق والقانون والعدل على أنه تدخل في السياسة، وبدأوا يتحدثون كما كان يتحدث البيروقراطيون المتعالون في الماضي، وتلقوا كلمات من قبيل “لا تأخذ الرشوة”، “تصرَّف بما يوافق القانون”، “السياسة ليست وسيلة للثراء الشخصي” تدخلًا في عمل السياسيين، وصاروا يفسرون جميع هذه التحذيرات على أنها ذات صلة بالكيان الموازي !.
إن السياسيين الذين كنا نعتقد لسنوات أنهم يسعون لممارسة السياسة في إطار مبادئ محددة، ويبدون وكأنهم أعقل مَن في تركيا، لم يراعوا مبدأ ولا عدلًا عندما بدأوا يظنون أنهم يمتلكون القوة والسلطة، وبدأوا يعتبرون كل أنواع التحدي غير النظامي مع المنافسين حقا مشروعا وأمرًا عاديًا، مع أن المسلم له قواعد وأخلاق وأصول ينبغي أن يتبعها حتى وقت الخصام والعراك، فهُم قد تركوا العمل بكل هذه القيم والمبادئ جانبا، وأصبحوا يستبيحون شتى أنواع الظلم والجور.
إن القائمين على الحكم في تركيا اليوم أصبحوا يتسببون في تعرّض من يخالفهم إلى أذى شديد ومعاناة كبيرة، وذلك عوضًا عن أن يساهموا في أن يشعر كل مواطن، بغض النظر عن دينه أو عرقه، بأنه يعيش في أمن وسعادة، وينشروا المزيد من القانون والديمقراطية في شتى بقاع الوطن، أضف إلى ذلك أنهم لم يحلوا مشاكل العلويين والأكراد وسائر الأقليات الأخرى من جذورها، ولم ينجحوا في إدخال السرور إلى قلوب أبناء هذه الأقليات وإزالة الاضطراب عنهم.
إنهم ألغوا تمامًا العمل بالنظام القانوني، الذي كان يسير على الأقل وإن كان سيره أشبه بسير “الأعمى والأعرج”، وعمدوا إلى تعطيل مرافق الدولة بالكامل، بدلا عن السعي لإسعاد مَن يعيشون في هذا الوطن وحرموا منها وقتا طويلا إلى يومنا هذا، تركوا العمل وفق مبادئ الحق والعدل والقانون، ووضعوا العراقيل في طريق مَن يجتهدون لنجدة المظلومين، وفرضوا غرامات قاسية دون حجة على رجال الأعمال المحبين للخير مستغلين في ذلك قوة الدولة، وصنفوا الناس حسب انتماءاتهم “هذا منّا وذاك ليس منّا”. واستحقوا أن يسجلوا في التاريخ بأنهم أصحاب حكومة تعرضت المدارس والمراكز التعليمية للهدم في عهدهم بشكل ربما لم يكن له مثيل منذ الغزو المغولي.
إن جميع الأحداث سواء داخل تركيا أو خارجها في محيط منطقتها أصبحت معقدة للغاية. وكيف سنفسر غفلة أناس كافحوا لأعوام طويلة من أجل حل قضية الحجاب، أن يعتقدوا أن الله سيرضى بظلمهم؟ يا لها من غفلة! وكيف ينسون بأن الله يراهم وسوف يحاسبهم ولا يراعون أحكامه أثناء إدارة الدولة؟ يا لخسرانهم!
إنهم رجموا من قالوا لهم “انتبهوا هناك حريق!”، ونعتوا من حذروهم من السقوط في الهاوية بأنهم “إرهابيون”، وأمروا بالسب بملئ الأفواه كل من يسعون لإعلاء الحق. إنهم نظروا إلى كل سعي حقاني على أنه “كيان مواز” يهدف القضاء عليهم، ولهذا السبب أصبح الحريق يحيطنا من كل جانب.
إن ما يقع علينا في هذا المقام أن ندعو الله ونقول: “ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا!”، فليحفظ الله هذه الأمة من هذا الحريق المخيف الذي تأججت نيرانه حولنا.