بقلم: مصطفى أونال
يجب علينا تسمية هذه الفترة، فسوف يشار إليها كثيرًا في المستقبل القريب. توصف هذه الفترة حالياً بالكود “2 أكتوبر/ تشرين الأول”. وقد أصدر البرلمان التركي الكثير من القرارات والمذكرات المشابهة التي لا تنسى، والتي سمحت للقوات الأمريكية الانتشار على الأراضي التركية وشمال العراق.
ولكن من أهم هذه القرارات، القرار الصادر عن البرلمان التركي في 1 مارس/ آذار قبل أكثر من 11 عامًا، بخصوص العراق. ولكن الآن الوضع اختلف تمامًا. فاليوم لم يبقَ الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أو العاصمة العراقية بغداد. وقد أصبح الأمر بمثابة
أول امتحان صعب لحزب العدالة والتنمية. وقد ذُكر أن رئيس الوزراء الأسبق “بولنت أجاويد” تم إقصاؤه عن رئاسة الوزراء لعدم رغبته في الحرب على العراق، وعلى إثر ذلك، تم تقليص وتصغير الحزب عن طريق الاستقالات، ليضطر مجلس الشعب التركي بعد
ذلك إلى إجراء انتخابات مبكرة في البلاد. وقد كان من الواضح جليًا أن تحالف الأحزاب السياسية سيخسر في هذه الانتخابات، أمام حزب العدالة والتنمية.
إن القرار المعرف بالكود “1 مارس/ آذار” الذي كان يُرغب استصداره من البرلمان كان مذكرة حرب؛ والتي بموجبها كانت تركيا ستنضمّ إلى صفّ الولايات المتحدة في حربها على العراق لإسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. فقد تم التفاوض والنقاش
حول المذكرة بدقة بالغة، وتدقيق شامل في أبسط التفاصيل بحيث تم تسجيل أعداد الجنود والطائرات الأمريكية التي من المقرر أن تشارك في الحرب، بهدف وضع تحديد للعمليات. وكان أردوغان في موقف المدافع والمؤيد المتحمّس لهذا القرار وهذه المذكرة، بينما
فضل رئيس الوزراء في ذلك الوقت، عبد الله جول، أن يلتزم موقف الاحتياط والاحتراز. وفي الوقت نفسه علت الأصوات المعارضة لهذا القرار داخل الحزب الحاكم وداخل مجلس الوزراء، وظهر من يطالبون الوزراء بعدم التوقيع على المذكرة، بل وصل الأمر إلى
أن نائب رئيس الوزراء “أرطغرول يالتشين باير” كان من بين معارضي هذا القرار، بالإضافة إلى “حسين تشاليك” الذي شغل منصب وزير التعليم في تلك الأيام، و”زكي أرجازان” الذي كان يشغل منصب وزير الإسكان والتعمير. وكان أحمد داوود أوغلو رئيس
الوزراء الحالي، في ذلك الوقت مستشارًا في رئاسة الوزراء، ولم يكن مستشارًا صوريًا، بل كان فاعلًا في منصبه.. وكان يضع مسافة بينه وبين قبول المذكرة.
وقد قرأت بالأمس تصريحات ” أرطغرول يالتشين باير” على صفحات جريدة “ملّي غازيتا”، وقد قال التالي: “سوف نجري محادثات مع عبد الله جول، وعدد من الوزراء المشاركين في مجلس الأمن الوطني التركي. ولا أنسى اللحظة التي جاء فيها أحمد داوود أوغلو،
وشد على يدي، قائلًا: بالله عليك! قل لعبد الله جول إننا جميعًا معارضون لهذه المذكرة‘”. وكانت النتيجة معلومة، فقد أصدرت الجمعية العامة، التي كان يديرها رئيس البرلمان بولنت أرينتش، قرارًا برفض المذكرة.
وأمس 2 أكتوبر/ تشرين الأول كان يومًا جديدًا لاستصدار مثل هذا القرار. فقد كان الأمر بمثابة اختبار للبرلمان التركي، وكذلك لحزب العدالة والتنمية. وهذه المرةلم يتم تناول أمر المذكرة والقرار بصورة موسعة، ولم يتم الحديث عنها كثيرًا لدى الرأي العام بل
استعجلوا في الأمر ولم يجدوا الرأي العام حتى يناقشوها. ومضمون المذكرة الجديدة لا يختلف كثيراً عن سابقتها في 1 مارس/ آذار. ولكن الذي زاد الطين بلة، هو سماحها بوجود قوات وجنود أجانب على الأراض التركية، بل وبدون تحديد أعداد هذه القوات أو ذكر
أي تفاصيل أو تحديد لها. وسط تعتيم على الشروط التي سيتم بموجبها جلب الجنود الأجانب، فالمذكرة تعطي حق التحرك للقوات الأجنبية، والقوات التركية. التحرك أو الحرب ضد من؟ الأعداء كثر. منطلق هذل التحرك هو مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)
الإرهابي، غير أنه ليس محدوداً بها. ولا نعرف ما إذا كانت تركيا ستشارك في عملية برية محتملة ضد داعش أم لا؟ وفي الوقت الذي يُنادى فيه بفرض منطقة عازلة آمنة وتوفير معبر للمساعدات الإنسانية وغيرها من الدعوات، من الممكن أن تجد تركيا نفسها وسط
لهيب النار، لا حول لها ولا قوة.
فالمذكرة التي أصدرها البرلمان التركي أمس الموافق 2 أكتوبر/ تشرين الأول، تحتوي على مخاطر الزج بتركيا في صراع جديد، هي بغنى عنه. فهذه معركة يتجنَّب خوض غمارها حتى الجنود الأمريكان. لأن واشنطن أعلنت أنها ستكتفي بالغارات الجوية فقط ضد
داعش. لماذا؟ لأن الأمر محفوف بالكثير من المخاطر. فاليوم أحمد داوود أوغلو الذي كان من بين معارضي مذكرة 1 مارس/ آذار، هو من يجلس على سدة الحكم، أعلى كرسي رئاسة الوزراء، ومساعده بولنت آرينتش.. ولكنهما لم يستطيعا إبداء اعتراضاتهما السابقة
على مذكرة 1 مارس/ آذار، أمام مذكرة 2 أكتوبر/ تشرين. فقد مرت المذكرة بسلام، وأصدر البرلمان القرار دون أي صعوبات أو اعتراضات، حتى دون الإشارة إلى مخاطر الدخول في هذه المعركة. فتركيا بالطبع ليست صاحبة مقعد المشاهد عن بعد للأحداث
المجاورة لها، ولكن لا داعي للخوض في مغامرة من هذا القبيل.
إن حزب العدالة والتنمية يرى الأمر برمته على أنه تجلٍّ من تجليات “القدر”. وقد كتبت في مقال سابق لي بعنوان “العودة إلى المربع الأول”. فحزب العدالة والتنمية يتراجع ويعود إلى الخلف بسرعة كبيرة. فكل ما قدمه للبلاد يسترده مرة أخرى. وقد تخلى عن
الإصلاحات مستندًا إلى قوانينه الخاصة والمؤامرات. وقد تكرر الأمر نفسه في “سياسة المذكرة”. بينما كان استفاد من الناحية السياسية من وصفه “الحزب السياسي” الذي رفض طلب الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط في الشارع العربي، بل في كل أنحاء العالم..
وفي النهاية أحب أن ألخص ما أود قوله في جملة واحدة: “إن حزب العدالة والتنمية صفَّر مذكرة 1 مارس/ آذار بمذكرة 2 أكتوبر/ تشرين الأول”.