بقلم: ممتاز أرتركونه
لا أحمل داخلي أي قلق بشأن انتخابات عضوية المجلس الأعلى للقضاء التي ستجري في مجلس الدولة، وفي الوقت الذي لا تزال فيه عملية التصويت مستمرة، فأنا واثق من أن الحزب الحاكم سيخسر هذه الانتخابات.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الدولة تتشكَّل من ثلاث سلطات، والحكومة التركية، التي تجمع بين يديها السلطتين التنفيذية والتشريعية، تمارس ضغطًا كبيرًا على القضاء منذ عشرة أشهر مستغلةً جميع إمكانياتها، فتركيا تشهد حاليًا صراعًا بين السلطات، أو بالأحرى حربًا يشنّها ثنائي السلطتين التشريعية والتنفيذية للقضاء على استقلال السلطة القضائية ومصادرة إرادتها، وإن فوز الحزب الحاكم بانتخابات المجلس الأعلى للقضاء يعني استسلام السلطة القضائية في هذه الحرب بين السلطات.[/box][/one_third]إن خسارة الحزب الحاكم في هذه الانتخابات تعني أن مَن فاز بالانتخابات هو “القضاء المستقل” ،وسيخسر الحزب نفسه الانتخابات التي ستجري يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ، وسيشارك فيها جميع القضاة والمدعون العامون، وقد بدأت عملية مخيفة ومقلقة لدى حزب العدالة والتنمية عندما قال المتحدث باسمه: “إذا خسرنا الانتخابات سنعلن أنها غير شرعية”، ثم اتسع نطاقها بتصريح: “سنطبق الخطة ب أو ج للرئيس أردوغان”، وسرعان ما تطورت هذه العملية بتصريح من وزير بالحكومة قال فيه: “سنتحرك حسب نتيجة الانتخابات”، ولا ريب في أن هذه التصريحات تقدّم لنا إمكانية حقيقية لتخمين نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، والحكومة هي أفضل من يعرف الوضع الحالي، وهذا يعني أنه لم يعد هناك أمل في فوز الحزب الحاكم في هذه الانتخابات، وإذا كان مسؤولو الحزب واثقين من فوزهم في الانتخابات، فلماذا يطلقون هذا الكم من التهديدات التي يخالطها الخوف والقلق؟
إن الدولة تتشكَّل من ثلاث سلطات، والحكومة التركية، التي تجمع بين يديها السلطتين التنفيذية والتشريعية، تمارس ضغطًا كبيرًا على القضاء منذ عشرة أشهر مستغلةً جميع إمكانياتها، فتركيا تشهد حاليًا صراعًا بين السلطات، أو بالأحرى حربًا يشنّها ثنائي السلطتين التشريعية والتنفيذية للقضاء على استقلال السلطة القضائية ومصادرة إرادتها، وإن فوز الحزب الحاكم بانتخابات المجلس الأعلى للقضاء يعني استسلام السلطة القضائية في هذه الحرب بين السلطات.
ولاشك في أن هذه الانتخابات تعتبر فرصة مواتية أمام القضاة والمدعين العامين من أجل حماية شرفهم الوظيفي ودعم استقلال القضاء في هذه الحرب الضروس، وسيرد العاملون في السلك القضائي في هذه الانتخابات على الشتائم والإهانات التي لم يتورّع الرئيس أردوغان وأعضاء حكومته عن إطلاقها منذ 10 أشهر، وبدأت بإطلاق لفظ “الموظفين المعيَّنين” ثم ارتفعت وتيرتها بشتائم من قبيل “السفلة”، “الخونة”، “الجواسيس”، “أصحاب الكيان الموازي”، “الحشاشون” وغيرها.
إن ما يقع على عاتقنا في هذا المقام هو أن نحمل الأمل في قلوبنا من أجل تحقيق العدل وتطبيق القانون، لكن الحكومة التركية تعلن صراحةً مهددةً أنها ستحصل على ما لم تستطع الحصول عليه في الانتخابات من خلال تغيير القوانين، وليكن كذلك، فعلى الأقل سيكون جهاز القضاء لم يستسلم لهذا التعدي، ودافع عن ضميره وشرفه، وبعث بهذه الرسالة من خلال نتيجة الانتخابات: “ياأيتها السلطتين التنفيذية والتشريعية، لن أستسلم لكما، وسأواصل استقلالي، وإذا حاولتما بعد ذلك أن ترغماني على الاستسلام بتغيير القانون، سأجد خطة ب أو ج للوقوف في وجهيكما في إطار القواعد الدولية للقانون”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن القضاء سلطة مستقلة، كما هو الحال بالنسبة للسلطتين التنفيذية والتشريعية. وإن المجلس الأعلى للقضاء هو ضمان هذه الاستقلالية، فماذا عسى القاضي أن يفعل؟ هل يترك بيديه هذا الضمان ينتقل إلى أحضان السياسيين؟[/box][/one_third]وعندما نتذكر الأسباب لا يبقى لدينا أدنى شك في نتيجة الانتخابات، كان أردوغان قد واجه قبل 10 أشهر اتهامات خطيرة بتورط فريقه الخاص وأفراد عائلته في فضيحة فساد، وفتح تحقيق للبت في صحة هذه المزاعم، فهمّ أردوغان، كرد فعل على هذا الحدث، إلى اعتبار هذه التحقيقات “انقلابًا قضائيًا” على حكومته، واستغل جميع الإمكانيات المتاحة لديه من أجل وقف هذه التحقيقات، واليوم مازلنا لا نعرف عاقبة هذه الاتهامات، ذلك أن عمل القضاء توقف، كما توقفت المتابعة القضائية للدعوى، وقد مورست عملية المنع هذه دائمًا من خلال المجلس الأعلى للقضاء، حتى أن أعضاء الحكومة أخذوا يرددون تصريحات من قبيل أن “الجيش الوطني تعرّض للمؤامرة” (نتيجة هذه التصريحات قد أفرج عن الجنرالات المحبوسين في قضية أرجينكون)، وذلك في سبيل تغيير التوازنات داخل المجلس الأعلى للقضاء.
إن هذه القضية قضية شخصية، فأردوغان لديه مشكلة مع القضاء، أي العدل، بصفته رئيس “الطغمة” التي شكّلها في محيطه، فإذا اشتغل القضاء في إطار قواعده وآلياته المستقلة وأصدر أحكامه، فهناك احتمال أن ينهي التحقيقات الجارية بشأن قضية الفساد التي تشمل الشخصيات المحيطة به، وباختصار، سبب جميع التكهنات التي تجري بشأن انتخابات المجلس الأعلى للقضاة هو المساعي الرامية لوقف التحقيق في قضية الفساد، ولهذا السبب يجب أن يبقى “الصنبور” مقفلًا وأن يصبح العدل مستحيلًا بالنسبة لنا جميعًا، ولنذكّر بالأسباب لمن نسيها، ألم يكن سبب النقاشات الدائرة حول القضاء والقضاة والأجندة المزدحمة لدى المجلس الأعلى للقضاء، هو عدم فتح ملفات الفساد؟
وإذا انتبهتم فإن اتهام” الكيان الموازي” الذي يستهدف النيل من القضاء برمّته، محدودٌ بتحقيقات الفساد التي لولاها لما كانت تركيا قد شهدت استحداث مصطلحات مثل “انقلاب القضاء”، “القضاء الموازي”، “المدعون والقضاة الموازون” وما شابه من نصب فخاخ مطاردة الساحرات كما كان يجري في العصور الوسطى في أوروبا.
وإذا كان القانون قد احترم في أدنى المستويات، هل كان القضاء سيتعرض لهذا القدر من الضغوط؟ إذن، نحن اليوم أمام انتخابات يجريها المجلس الأعلى للقضاء ويتنافس فيها قضاة ومدعون عامون في قرار إطلاق الأحكام وهم يستمعون إلى أصوات ضمائرهم، في مواجهة حزب الحكومة الذي يصرّ على تبرئة أردوغان وزمرته مقدمًا، ولن يشعر من يعرفون القضاة، ولو قليلًا، بالقلق بشأن نتيجة هذه الانتخابات.
إن القضاء سلطة مستقلة، كما هو الحال بالنسبة للسلطتين التنفيذية والتشريعية. وإن المجلس الأعلى للقضاء هو ضمان هذه الاستقلالية، فماذا عسى القاضي أن يفعل؟ هل يترك بيديه هذا الضمان ينتقل إلى أحضان السياسيين؟