بقلم: جوست لاجيندجيك
تحتاج تركيا في مثل هذه الأوقات العصيبة المليئة بالفوضى إلى التفكير في إنتاج حلول خلّاقة وغير متحفّظة للمشاكل الكبرى التي تواجهها في الوقت الراهن جرّاء الهجمات التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي في سوريا والعراق. ومن هذه المشاكل التي تواجهها تركيا هروب أكراد سوريا من ظلم الجهاديين. وثاني هذه المشاكل هي الدور الحيوي الذي يلعبه المقاتلون الأكراد من سوريا والعراق وتركيا لوقف تقدم الإرهابيين. وثالثها هو زيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الضغوط التي تمارسها على تركيا من أجل لعب دور رائد وواضح في التحالف الدولي ضد داعش.
ولنبدأ كلامنا بالحديث عن النقطة الأخيرة.؛ حيث إنه بإطلاق سراح الرهائن الأتراك الذين احتجزهم داعش في الموصل لأكثر من 100 يوم، زالت الحجة الرئيسة التي كانت تسوقها تركيا بغية لعب دور من وراء الكواليس في الحرب على داعش. ولا أعلم بالضبط هل سنطلع في يوم من الأيام على المضمون الكامل الخاص بـ”المفاوضات السياسية والدبلوماسية” التي أجرتها أنقرة مع الجهاديين لإطلاق سراح رعاياها. ربما تكون عملية تبادل الرهائن بالمعتقلين من داعش عنصرًا في هذه القضية، إلا أن إقدام أنقرة على تقديم وعود بواضع مسافة وضحة بينها وبين التحالف الدولي الذي سعت واشنطن لتشكيله خصيصًا لقتال داعش والقضاء عليه، سيخلق جوًا جدليًا أكثر من أي عنصر آخر. وفي الوقت الذي يقوم فيه حلفاء أنقرة بأعمال خطيرة على الطرف الآخر من حدودها الجنوبية، فلا أستطيع أن أخمن – حقيقةً – كيف أن تركيا تفكر في أن بإمكانها أن تنجو من هذا الخطر بالوقوف خلف الأسلاك الشائكة داخل أراضيها وتكتفي بمشاهدة هذه الحرب ضد داعش.
إن المشكلة التي تعاني منها تركيا تكمن في التالي: تحتاج أنقرة إلى جميع أنواع الدعم والمساعدة التي يمكنها أن تحصل عليها من الأصدقاء والحلفاء ذاتهم من أجل تلبية احتياجات الأعداد المهولة من اللاجئين الذين يقيمون على أراضيها. ولقد حظي قرار تركيا بفتح حدودها أمام أكراد سوريا الهاربين من بطش داعش بتقدير العالم بأسره. والآن يجب أن يعقب هذا التقدير والإعجاب دعمٌ مالي ولوجستي ملموس يقدَّم إلى تركيا من أجل خدمة هؤلاء اللاجئين. غير أن هناك أوجهاً أخرى، بخلاف الوجه الإنساني، لهذه القضية. وتثمّن الحكومة التركية حاليًا مقترح إقامة “منطقة عازلة” مرة ثانية داخل الأراضي السورية للحيلولة دون تدفق أعداد لا حصر لها من اللاجئين السوريين الذين لن تستطيع تركيا تلبية متطلباتهم. هذه فكرة منطقية، غير أنه في حالة إن لم تستطع تركيا إقناع الولايات المتحدة وسائر الدول الأخرى القوية عسكريًا بإقامة منطقة عازلة، ومن ثم تقديم الدعم للسيطرة على هذه المنطقة الحرجة وحمايتها؛ فإن هذه الفكرة لن تطبق أبدًا على أرض الواقع. ولماذا توافق واشنطن ولندن وباريس على تقديم الدعم لهذه القضية في وقت تسعى فيه أنقرة – من ناحية أخرى – للنأي بنفسها عن الحرب الدائرة ضد داعش في أماكن أخرى؟
وفي نهاية المطاف، نصل إلى المسألة التي ينبغي لتركيا أن تتجاوز نفسها بخصوصها: علاقاتها بالأكراد على أراضيها وفي العراق وسوريا. وأنا متأكد من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو كانا يخططان للانتظار حتى ربيع أو صيف العام المقبل لكي يخطو خطوات جديدة جديرة بالاهتمام في إطار المفوضات الجارية مع حزب العمال الكردستاني. وكان هذا الجدول الزمني سيضمن لحزب العدالة والتنمية الفرصة المثلى للربط بين الاعتراف بحقوق أوسع للأكراد في تركيا والحصول على دعمهم – أي الأكراد – لإقرار دستور جديد يتضمن الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي في البلاد. وأما الأزمة الحالية فقد أجبرت أنقرة على التخلي عن هذه الخطة وطرح سلسلة من الإصلاحات ذات المغزى لتهدئة حزب العمال الكردستاني. ويتضح بمرور الأيام أن الأكراد هم “القوة الوحيدة على الساحة” الراغبة والقادرة على دحر قوات داعش، وإن كان ذلك سيتم من خلال تلقيهم مساعدات خارجية كبيرة. وفي المرحلة التالية لذلك ستضطر العشائر السنية في العراق والمعارضة الرئيسة في سوريا إلى تحمل ما يقع على عاقتها من مسؤولية. لكن لا تنتظروا تدخل وحدات عسكرية أجنبية (سواء كانت أمريكية أو تركية). والعنصر الوحيد الذي يمكن أن يوثَق به من حيث تأثيره في أرض المعركة في المستقبل، الذي يمكن التنبؤ به، هو قوة عسكرية كردية متحدة. أتوقع أنه ليس هناك من يميل إلى هذه الفكرة في أنقرة، ذلك أن هذا يعني نهاية مفاجئة للإستراتيجية التي كانت تتبعها الإدارة التركية مع الأكراد على النحو التالي: التعاون مع أكراد العراق، معارضة أكراد سوريا، التفاوض مع أكراد تركيا.
انسوا المخطط الأكبر، فالحرب ضد داعش تجبر تركيا على عقد اتفاق كبير مع جميع الأكراد داخل أراضيها وفي المنطقة. وإذا نجحت تركيا في فعل هذا، يمكن حينها أن يتحول دفاعها عن أفكارها لهذه المدة الطويلة قابلًا للصفح.
جريدة زمان 24/9/2014