بقلم: سلجوق جولطاشلي
يتهرب رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان ووزراؤه، باستثناء البعض منهم، يومًا بعد يوم من الحقائق للتخلص من تهم الفساد، وكلما ابتعدوا عن الحقيقة أصبحت الجهود التي يبذلونها في القضايا الكبرى، حسب ادعائهم، كالاستهزاء.
فأردوغان يسيئ كثيرًا إلى جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (TÜSİAD) ويصفهم بأسوأ الصفات ثم يدعوهم إلى التعاون والتصالح، والأكثر سخرية هو الإعلام الموالي له، حيث يستخدم أردوغان في العناوين الرئيسية في صحافته الموالية عبارات من نوع: “هيا يا أحبائي لنكن معًا هيا إلى المصالحة” وهو يبث الحماس لتبشيره بتركيا الجديدة.
أعلن أردوغان، عندما كان رئيسًا للوزراء، أن عام 2014 سيكون عام الاتحاد الأوروبي، علمًا بأن تركيا ابتعدت في هذا العام عن معايير الاتحاد الأوروبي، بشكل لم يحدث خلال 12 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، ومع تزايد تصرفات أردوغان، الشبيهة بالاستهزاء، في آخر ستة أشهر يكون قد أضاع جهوده التي بذلها في 11 عاما من حكمه، ولذلك فإن كل محاولاته للظهور بمظهر الجدية تذهب سدًى.
الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير الدولة الجديد لشؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي فولكان بوزكير إلى بروكسل للحديث عن تركيا الجديدة هي بمثابة نموذج آخر للاستهزاء.،وكنا قد أشرنا سابقاً إلى أن سلفيه أجمان باغيش “المستهزئ” ومولود تشاووش أوغلو، الذي لم يبدُ مستهزئاً، لم يحظيا بسمعة طيبة.
بقيت هناك صورة مبهمة بعد زيارته التي استغرقت 4 أيام، فالمسؤولون الأوروبيون وجدوا الوزير الذي خاطبهم على خلاف سلفيه، فهو يأخذ أهداف الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار ويخاطبهم بلسان حالهم ولا يهذي فيتفوه بعبارات مضحكة كأن يقول: “إن أوربا بحاجة إلينا أكثر مما نحن بحاجة إليها” ،ولا يقول لهم “انتظرونا لنتخلص من الكيان الموازي لنريكم إصلاحاتنا”، ورأى المسؤولون الأوروبيون أن هذا الوزير لا يقول عبارات مثل: “لا أحد يستطيع تقييمنا عبر التقارير، فنحن نقيم أنفسنا، وإذا لم يعجبنا تقرير الاتحاد الأوروبي فإننا نرميه في سلة المهملات”.
كما تمكن المسؤولون الأوربيون من التعرف على استراتيجية تركية جديدة للمفاوضات مع الاتحاد الأوربي من خلال وزير شؤون المفاوضات التركي، وقد دُرس انسجام توقيت عرضها جيدًا بحيث جُعل في منتصف الزيارة، لكن السيد الوزير قبل أن يترك بروكسل عندما حاول تهميش صحيفة” زمان” ووكالة” جيهان” للأنباء هدم ذلك الانسجام، وزاد من حالة الاستهزاء، وجعل أحد المسؤولين الأوروبيين يعرب عن أسفه لتهميش الوزير بوزكير لـ “زمان” و”جيهان”؛ وقال إنه كان يظن بأن الوزير الجديد أكثر جدية بعدما التقى به وزيران أوروبيان وقالا إن اللقاء كان إيجابيًا وقد عبَّر بوزكير عن استراتيجية جديدة تجاه الاتحاد الأوربي، وأشار إلى أن لها 3 دعائم هامة ومنها التواصل، لكنه لم تدع الصحفي التركي الوحيد المقيم في بروكسل.
تسرب بعض عناصر الكيان الموازي إلى الاستراتيجية
استراتيجية الاتحاد الأوربي عبارة عن نص ممتاز مؤلف من 13 صفحة، وواضح أنه نتاج دبلوماسيين محترفين مؤمنين بهدف الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وليس فيها سفسطة وترهات من قبيل مكافحة الكيان الموازي، لكن ذُكرت كلمة الموازي مرتين، كما مر في جملة “تم تحضيره موازيًا لوثيقة شراكة الانضمام، التي صدرت عن الاتحاد الأوربي في 2008 “.
ولو أردنا الانطلاق من كلمتي الصورة والاستشعار ، فهناك اختلاف كبير بين ما ورد في الوثيقة والحوادث التي تجري على أرض الواقع.
فعلى سبيل المثال ورد في الوثيقة: “مسألة الاتحاد الأوربي ليست خاصة بالدولة فقط، بل هي مسألة المجتمع المدني أيضا، وبناء عليه سنشجع انضمام جميع فئات المجتمع لكسب الرأي العام، وتزويده بالمعلومات والاهتمام به، وبتطلعاته وهمومه، والمؤسسات المدنية والفكرية، والإعلام المحلي والإقليمي والدولي، وعالم الأعمال، والأكاديميين، والإدارات المحلية”.
أما الواقع فيقول: لم يُدعَ ممثل الصحيفة الأكثر مبيعًا في تركيا إلى الاجتماع الذي كُشف فيه النقاب عن هذه الوثيقة، فالمؤسسات المدنية التابعة لحركة الخدمة لا يمكن أن تُدعى.
وتقول الوثيقة: إن المجتمعات المدنية بدأت تعبر عن طلباتها بحرية أكثر يومًا بعد يوم في ظل المناقشات المتزايدة حول الحرية منذ 12 عاما في تركيا، ومن أهم الأمور التي تقوي البعد عن التفرقة، والعمل بمبدأ المساواة بين المواطنين، ومفهوم ديمقراطية الأغلبية في ظل النقاشات الصريحة والشفافة…
أما الواقع فيقول: وصلت التفرقة إلى أوجها، وأنتم تتهمون فئة من المجتمع بالإدمان على المخدرات والخيانة والعمالة وتصفونها بأنها فيروس وعلقة متطفلة؛ وتزعمون أنكم بعيدون عن التفرقة.
كما تقول الوثيقة : أصبحت قيم الديمقراطيات الحديثة جزءًا من المواضيع اليومية كالشفافية التي لا بد منها والمساءلة والمشاركة.
أما الواقع فيقول: تقارير الجهاز المركزي للحسابات لم تعد تصل إلى مجلس الأمة، في حين أن صلاحيات الاسخبارات قد ازدادت على أوسع نطاق، وبات الإنترنت تحت مراقبة الدولة.
ضحكات موازية
ظهرت بعض الضحكات في الاجتماع الذي جرى بين وزير الدولة لشؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بوزكير ورئيس لجنة شؤون التوسعة بالاتحاد الأوربي ستيفان فولي، الذي استخدم عبارة” الموازي” عندما أفاد بأنه يجب على تركيا استشارة الاتحاد الأوروبي في إصدار القوانين ما أدى إلى ضحكات الحاضرين في الاجتماع، وقد ذكر لنا هذه الحادثة دبلوماسي أوروبي حين سألناه عن مدى جدية أطروحة (الكيان الموازي).
إن الصورة سيئة للغاية، لكن الوزير على الأقل لا يساعد على استشعار الاستهزاء به.