بقلم: عبد الحميد بيليجي
تواجه تركيا حاليًا العديد من المشاكل في مجالات السياستين الداخلية والخارجية والاقتصاد والديمقراطية وغير ذلك، ومن التطورات الجيدة والنادرة في ظل هذه الظروف، الجو المتفائل بخصوص حل القضية الكردية، ولا شك في أن الدعم الكبير الذي يقدمه المجتمع في تركيا لحل الأزمة ” رقم 1″ التي تعانيها البلاد يبعث على الأمل والتفاؤل.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]57% من المجتمع في تركيا يدعم مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة وزعماء حزب العمال الكردستاني لحل الأزمة الكردية، وتبلغ نسبة من يدعمون هذه المفاوضات بين أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر من 75%، وترتفع بين من يتحدثون اللغة الكردية إلى 83%، وبين أنصار حزب السلام والديمقراطية الكردي إلى 91% ،وهذا المشهد يجب أن يضعه في الاعتبار كل من يتكلم بحق هذه العملية سواء بالسلب أو بالإيجاب.[/box][/one_third]لقد أعد البروفيسور خاقان يلماظ، عضو هيئة التدريس بجامعة بوغازيجي في إسطنبول، دراسة حملت عنوان: “الهويات والقضية الكردية وعملية حلها”، وجاء الدعم المقدَّم إلى هذه العملية في مقدمة أبرز النتائج الملفتة للنظر في هذه الدراسة، حيث أشارت الدراسة إلى أن 57% من المجتمع في تركيا يدعم مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة وزعماء حزب العمال الكردستاني لحل الأزمة الكردية، وتبلغ نسبة من يدعمون هذه المفاوضات بين أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر من 75%، وترتفع بين من يتحدثون اللغة الكردية إلى 83%، وبين أنصار حزب السلام والديمقراطية الكردي إلى 91% ،وهذا المشهد يجب أن يضعه في الاعتبار كل من يتكلم بحق هذه العملية سواء بالسلب أو بالإيجاب.
إن الدعم المجتمعي القوي يعد مصدر تحفيز جاد لمواصلة هذه الوتيرة الصعبة، غير أن هذا الدعم يعد في الوقت نفسه مسؤولية كبيرة بالنسبة لتركيا ومن يديرون عملية المفاوضات، أضف إلى ذلك أن الكثير يشعر بالقلق والهلع، إذا ما، فشلت هذه المفاوضات، لا قدر الله، الأمر الذي سيكون بمثابة خيبة أمل كبيرة بالنسبة للمواطنين الأكراد، الذين أخذوا يعقدون آمالا عريضة على هذه العملية، مما يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى جرّ تركيا إلى حالة من الفوضى التي لا تحمد عقباها.
ومن ضمن النقاط الإشكالية التي أبرزتها دراسة الدكتور يلماظ عدم وصول الأحزاب السياسية إلى توافق فيما بينها بخصوص مفاوضات السلام، على الرغم من الدعم الكبير الذي تحظى به المفاوضات بين أنصار حزبي العدالة والتنمية والسلام والديمقراطية على وجه الخصوص، وفي الوقت الذي يتراجع فيه الدعم الممنوح للمفاوضات بين أنصار حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، إلى 30%، نجد أن هذه النسبة تنخفض بين حزب الحركة القومية اليميني المعارض إلى 28% ،ولا ريب في أن تراجع الدعم المقدَّم إلى مفاوضات السلام بشكل عكسي مع زيادة مستوى التعليم والدخل في المجتمع يعتبر حالة غير صحية، فنحن أمام حالة قوية من الانطباع الإيجابي عن عملية المفاوضات ترافقها مخاوف جدية تستند إلى الاستدلالات العقلية الحسية والبسيطة، أكثر من كونها طريقاً تم قبوله بعدما نوقشت إيجابياته وسلبياته واقتنعت به الأطراف المعنية في الدولة وقادة الرأي.
نشهد تضادًا كاملًا حتى بين وجهات نظر أنصار حزبي العدالة والتنمية والسلام والديمقراطية، أكبر حزبين يدعمان المفاوضات، فيما يتعلق بمصدر الأزمة الكردية، وبالتالي كيفية حلها، ففي الوقت الذي يعتقد فيه 54% من أنصار حزب السلام والديمقراطية أن مصدر الأزمة يكمن في الضغوط الممارسة على الهوية الكردية، تنخفض نسبة مؤيدي هذه الفكرة إلى 7% بين ناخبي حزب العدالة والتنمية، والوضع لا يختلف كذلك لدى حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، فهؤلاء يرون أن مصدر المشكلة يرجع في المقام الأول إلى البطالة ومسألة التخلف، وتبلغ نسبة من يرون أن القضية الكردية هي مشكلة هوية 9%، حتى أن خُمس من يتحدثون اللغة الكردية في تركيا يعطون الأولوية إلى الهوية العرقية في تصنيف الهويات.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من الحقائق المؤلمة التي أظهرتها الدارسة هي أن الأكراد يتربعون على رأس قائمة المجموعات العرقية التي تعامَل معاملةً سيئة في المصالح الحكومية ومخافر الشرطة والمتاجر الفخمة، وهناك إشارات إلى أن العلويين والأقليات الأخرى تندرج في هذه القائمة كذلك، ومن النتائج المثيرة التي تمخض عنها التغير الذي شهدته تركيا خلال السنوات القليلة الماضية هو احتلال الفئات “العلمانية والأتاتوركية (الكمالية) والحداثية” المرتبة الثانية في قائمة الفئات التي تعامَل معاملةً سيئة، وخروج فئة المتدينين من هذه القائمة.[/box][/one_third]وتشير الدراسة إلى أن هويات مثل “الانتساب إلى الأمة التركية” و”مواطن الجمهورية التركية” و”الانتساب إلى الدين الإسلامي” تتقدم على الهوية العرقية لدى من يتحدثون اللغة الكردية، ولاشك في أن القضية الكردية بها جانب يتعلق بالهوية، غير أن هذا لا يعني أن نغفل الجانب الاقتصادي – الاجتماعي للمسألة، وهناك ارتفاع في نسبة الدعم المقدَّم لإنهاء جو الصراعات وحل المشاكل الاقتصادية لحل الأزمة برمّتها، إلا أن المجتمع غير آبه بالتطلعات الأخرى، فهناك 19% فقط في تركيا يدعمون إمكانية الإقدام على خطوات جدية مثل منح المحافظات ذات الكثافة السكانية الكردية حكمًا ذاتيًا ديمقراطيًا وجعل اللغة الكردية هي لغة التعليم بها، غير أن أكثر من نصف القاعدة الشعبية لحزب السلام والديمقراطية الكردي ترى أن حل الأزمة الكردية هو عبارة عن الإقدام على تنفيذ هذه الإجراءات، وثمة علامة استفهام جدية حول كيفية التغلب على هذه المعضلة، وإلى أين سيقود الإهمال المتعمَّد لتحديد مضمون مفاوضات السلام التي ينظَر إليها في الوقت الراهن على أنها مفيدة ومثمرة.
وتعد واحدة من النتائج المثيرة التي يمكن أن تعتبروها نجاحًا لعملية التوطين أو الاندماج، بحسب موقفكم الأيديولوجي، هي نظرة الأغلبية الساحقة من المجتمع في تركيا إلى أن “أهم هوية” بالنسبة لها هي بالترتيب: جنسية الجمهورية التركية (74%) ثم الانتساب إلى الأمة التركية (61%)، في حين أن أغلبية كبيرة تبلغ 93% من أبناء المجتمع ترى أن اللغة التركية هي الأهم بالنسبة لها، ويبلغ أصحاب الهويات العرقية في المجتمع التركي 30%، غير أن نسبة من يقولون: “تأتي لغتي أو ثقافتي العرقية في المقام الأول في حياتي” هي 10% فقط، كما يعرب نصف من يقولون إنهم يعرفون اللغة الكردية عن رغبتهم في إرسال أبنائهم إلى مدارس تدرِّس المناهج التعليمية باللغة الكردية.
ومن الحقائق المؤلمة التي أظهرتها الدارسة هي أن الأكراد يتربعون على رأس قائمة المجموعات العرقية التي تعامَل معاملةً سيئة في المصالح الحكومية ومخافر الشرطة والمتاجر الفخمة، وهناك إشارات إلى أن العلويين والأقليات الأخرى تندرج في هذه القائمة كذلك، ومن النتائج المثيرة التي تمخض عنها التغير الذي شهدته تركيا خلال السنوات القليلة الماضية هو احتلال الفئات “العلمانية والأتاتوركية (الكمالية) والحداثية” المرتبة الثانية في قائمة الفئات التي تعامَل معاملةً سيئة، وخروج فئة المتدينين من هذه القائمة، لكن علينا ألا ننسى أن هناك مساعٍ حثيثة يقوم بها من كانوا مستضعفين بالأمس لإقصاء أتباع جماعة الخدمة، التي تعتبر جزءًا من الفئة المتدينة.
يا ليت هذا التغير الكبير كان قد أفضى إلى فهم كل فئة من فئات المجتمع لأحوال الفئات الأخرى بشكل أفضل، وحُلّت القضية الكردية دون التعرض لأية خيبة أمل، وبالتالي وُلدت تركيا جديدة لا يقصى فيها أحد.