بقلم: طورخان بوزقورت
كنتُ قد أنهيت مقالي التي كتبتها منذ 3 أيام بعنوان: “هل أردوغان هو الذي تغير أو جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد) ؟” بالكلمات الآتية: “عندما يحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماع المجلس الاستشاري للجمعية، في خطوة منه ليعرب لرجال الأعمال عن أن وجهة نظره سوف تتغير، وإذا ما واصل ذلك التغيير فستتغير تركيا، إلا أن أكبر عائق يحول أمام هذا التغيير هو أردوغان نفسه”.
وفي المقال نفسه، أضفت: “ولو أن أردوغان أدهش الجميع بتطييب خاطر رجال الأعمال الذين جرحهم بكلمات لاذعة عقب احتجاجات حديقة “جيزي” في إسطنبول، ومنهم مصطفى كوتش رئيس أكبر المجموعات الاقتصادية التركية، وجم بوينر وفريد شاهنك وسوزان صابنجي دينتشر رئيسة مجلس إدارة بنك “آك بنك” التركي، بسبب انتقاداتهم البنّاءة حول تراجع الثقة في القانون التركي وتراجع سمعة تركيا، ولو أنه تقدم بالشكر لهم ليدهش الجميع”.
وللأسف الشديد تبين أنني كنت محقًا في نظرتي وتحليلي عندما قلت إن أردوغان نفسه هو أكبر عائق يحول دون التغيير الذي سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك وأنقرة.
ولم يستخدم أردوغان في كلمته التي ألقاها أمام رجال الأعمال في اجتماع الجمعية في إسطنبول، بصفته رئيس الجمهورية، لهجة عاطفية تحتضن الجميع، وجاءت كلماته لترهب كل الحاضرين. وسرعان ما رُسمت على محيا رجال الأعمال علامات من التعجب والغضب بعدما وبخهم أردوغان على الهواء مباشرة.
يعتبر بعض رجال الأعمال الذين لم يستطيعوا حضور الاجتماع لأعذار مختلفة، محظوظون لعدم حضورهم ومواجهتهم أردوغان، حيث إنه انتقدهم انتقادًا لاذعًا لدرجة أننا كنا نشعر بأنه كاد أن يصفعهم جميعًا.
وكنتُ أرغب أن أكون مخطئًا في السطور التي كتبتها من قبل، وإذا ما كان خرج أردوغان عن نص كلمته التي أعدها له مستشاريه المحنكين ورجّح أن يستخدم أسلوبًا يحتضن الجميع، لكنت جعلتُ عنوان هذه المقالة: “االتمس العذر من أردوغان” وسلمتها للنشر بهذا المسمّى، إن السعادة التي أحظى بها وأنا أرى السلام والإزدهار في بلدي، أفضل من الخجل من الفشل في التحليل السياسي.
ولم يكتف أردوغان بتوبيخ رجال الأعمال أصحاب الهيبة الكبيرة، بل زاد الطين بلة عندما ألقى الكلام على عواهنه وواصل كسره لخواطرهم بأسلوبه اللاذع، حيث تجاوز سلطاته وألقى كلمات لم يدرك مسؤوليتها، وما فعله يمكن أن يقال عنه جريمة، وفي الدقائق التي تحدث فيها أعطت بورصة إسطنبول راحة للجلسة الأولى، وعندما فتحت الجلسة الثانية تحطم مرة أخرى مؤشر القطاع المصرفي، وخسرت البورصة 2 في المئة من القيمة بسبب تأثير خسائر القيمة في البنوك، وتجاوز سعر صرف الدولار 2.23 ليرة تركية.
تطرق أردوغان إلى مشكلة بنك آسيا التي حولها إلى قضية ثأر، حيث يشن حملة ممنهجة ضد البنك الذي يزعم أنه يموّل ما يسميه بالدولة الموازية، وزاد في حديثه عن البنك لدرجة أنه أوشك أن يقول عن بنك آسيا إنه أعلن إفلاسه على الرغم من أنه حذر الحاضرين قبلها قائلا: “دعونا نوقف جميعًا الشائعات التي تشكل عدم ثقة في القطاع المصرفي” ،وفي الوقت الذي لا يملك أحد الحديث عن بنك مفتوح للشعب سوى هيئة التنظيم والرقابة على الأعمال المصرفية، هل يتمتع رئيس الجمهورية بإرتكاب جرائم؟ لقد أصبح أردوغان هو المسؤول عن أية أمور تضر ببنك آسيا، وسيكون هو المتسبب في الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها الشركاء والمساهمين الذين وضعوا 225 مليون ليرة زيادة على رأس المال على الرغم من أن رأسمال البنك كاف.
كان إلقاء أحمد نجدت سيزار رئيس الجمهورية كتيب الدستور في وجه رئيس الوزراء بولنت أجاويد في مجلس الأمن القومي عام 2001 أدى، إلى انزلاق تركيا في أزمة مالية مستعصية، ولا أجد ثمة فارق بين حملة التشويه والافتراءات الممنهجة الواضحة التي يمارسها أردوغان ضد بنك آسيا والقاء كتيب الدستور في وجه رئيس الوزراء، حتى أننا يمكن أن نذكر الأسباب والظروف التي جعلت سيزار يفعل فعلته أمام عدد محدود من الذين شاركوا في الاجتماع السري.
بيد أننا يمكن أن نوصف بكلمة واحدة خطاب أردوغان، الذي أطلق فيه العنان لكلماته إلى الحد الذي أحدثت فيه بلبلة واضطرابات في الأسواق، أنها في غاية الخطورة، ويا للأسف والعار على كل هذ الكم من المجهودات والمساعي.
وبينما تعجز الكلمات عن وصف المشهد، حضر إلى ذهني نصيحة الشيخ أدبالي التي أسداها إلى عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية، وعندها قد يخيل لكم أن السياسة المنزوعة من الحب والمناخ السياسي الحالي بلا معنى أو دلالات، وماذا عسانا أن نفعل سوى مواصلة الكفاح في عمل الخير والطيبة دون أن تدور علينا دائرة اليأس.
انظروا إلى نصيحة أدبالي لعثمان غازي: “يا بني ها أنت قد أصبحت سيدًا وراعيًا علينا، ومن الآن فصاعدًا فمنّا الغضب ومنك الهدوء ورباطة الجأش، منّا الانزعاج ومنك طيب خواطرنا، منّا الاتهام ومنك التحمل والصبر، منّا العجز والضعف ومنك التحمل على مصائبنا، منّا الخلافات والنزاعات ومنك المسامحة على ما أرتكبناه، يا بني حذار أن تنس أن الذين في العُلا ليسوا في أمن وأمان كالموجودين أسفلهم”.
لكم هي كلمات واعظة تحمل في طياتها حكما راشدة لمن يعي ويعتبر!