بقلم: محمد كاميش
يتحمل من يحكمون البلاد نوعين من المسؤولية يتعلقان بقراراتهم وإجراءاتهم بينما يديرون الدولة، أولهما المسؤولية السياسية، وهم يحصلون على مقابل هذه المسؤولية في صناديق الانتخابات.
فعلى سبيل المثال، الحكومة تحوّل نسبة كبيرة من المدارس إلى مدارس الأئمة والخطباء، فإذا دعم الشعب هذا الإجراء، فإنه يختار الحزب الحاكم من جديد، وإن لم يدعمه، فإنه يعطي أصواته لحزب آخر، أو إذا بادرت الحكومة إلى توزيع العلاج على المرضى من خلال الصيدليات وليس من خلال مستشفيات هيئة التأمين الاجتماعي، فإنها تحصل على المقابل الاقتصادي والاجتماعي لهذا كذلك في صناديق الانتخابات، فما هذه إلا قرارات سياسية يجد الحزب الحاكم مقابلا لها على المستوى السياسي.
النوع الثاني من المسؤولية هو المسؤولية الجنائية، فإذا خالفتم القوانين أو الدستور بشكل صريح، أي إذا ارتكبتم جرمًا ما، فإن من سيحاسبكم هذه المرة هي المحاكم وليس الشعب، وعلى سبيل المثال فإن حصول أي سياسي أو موظف بالدولة على رشوة هو جريمة مؤكدة بحسب اللوائح القانونية كافة، وإذا ثبت تورطه في هذه الجريمة، يجري تحويله مباشرة إلى المحكمة، ولا يمكن للسياسي آنذاك أن يتحجج بقوله: “الشعب هو الذي اختارني في الانتخابات، وهو الذي يحاكمني”، مما يعني أن ما يقوله السياسيون في تركيا اليوم ليس له أي معنى، وإذا كان الظرف السياسي يفسد جميع المحاكمات اليوم، فلا يمكن لأحد أن ينجو بنفسه من الأفعال الإجرامية في دولة القانون، ولا ريب في أن العدالة ستأخذ مجراها وستلحق بمرتكبي الجرائم وإن كان متأخرًا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية لإغراق بنك آسيا، الذي يعتبر من أفضل المصارف في تركيا من الناحية المالية على الرغم من عشرات المحاولات التي أقدمت عليها الحكومة لإضعافه، منتهكةً في سبيل ذلك مادة قانونية واضحة وضوح الشمس، فقط من أجل تحقيق أهداف سياسية، ونجد الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان يهدد هيئة مراقبة وتنظيم المصارف ويريد بسط نفوذه عليها بشكل واضح وصريح على الرغم من أن القانون ينص على أن ذلك يعتبر جريمة يعاقب فاعلها.[/box][/one_third]تنص القوانين المصرفية، بلغة صريحة وواضحة، على الإجراءات والأفعال التي تندرج في إطار الجرائم أو الممارسات التي تتطلب العقاب، وعلى سبيل المثال يتضمن قانون هيئة تنظيم ومراقبة المصارف مادة تنص على ما يلي: لا يمكن لأية سلطة أو جهاز أو شخص أن يصدر أمرا أو تعليمات بهدف التأثير على قرارات الهيئة، أي أن القانون هنا لم يستثنِ رئيس الوزراء أو مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية، ونص المادة القانونية واضح في أنه لم يترك، بما لا يدع مجالا للشك، أي إمكانية لأي شخص أو جهة سياسية للإخلال بأحكام هذا القانون.
وكان القانون قد أوقف إجراءات الحجز على “بنك كنت” المملوك لمصطفى سوزر بسبب ادعاءات الضعف في بنيته المالية عام 2001، وأعاد البنك إلى صاحبه، وكان سوزر قد رفع دعوى أمام مجلس الدولة لإلغاء قرار الحجز على مصرفه، وأصدرت هيئة دوائر الدعاوى الإدارية بمجلس الدولة حكمًا بتاريخ 11 ديسمبر/ كانون الأول 2003 بعدم أحقية الحجز على المصرف، وأمرت بإعادته إلى صاحبه، وعلى الرغم من صدور هذا الحكم لم تعِد هيئة مراقبة وتنظيم المصارف البنك إلى صاحبه ولم تعطه ترخيصًا لمزاولة عمله المصرفي من جديد، الأمر الذي اضطر صاحب المصرف سوزر إلى نقل القضية برمتها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ليربح الدعوى ويرفع دعوى أخرى ضد هيئة مراقبة وتنظيم المصارف مطالبًا بتعويض قيمته 4 مليارات دولار أمريكي. ثم تم حل القضية بعدما أجرى عدد من الوزراء المعنيين مفاوضات مع سوزر، وأُعيد بنك كنت إلى صاحبه شريطة تنازله عن دعوى التعويض.
واليوم تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية لإغراق بنك آسيا، الذي يعتبر من أفضل المصارف في تركيا من الناحية المالية على الرغم من عشرات المحاولات التي أقدمت عليها الحكومة لإضعافه، منتهكةً في سبيل ذلك مادة قانونية واضحة وضوح الشمس، فقط من أجل تحقيق أهداف سياسية، ونجد الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان يهدد هيئة مراقبة وتنظيم المصارف ويريد بسط نفوذه عليها بشكل واضح وصريح على الرغم من أن القانون ينص على أن ذلك يعتبر جريمة يعاقب فاعلها، هذا إضافة إلى أن أردوغان يمارس ضغطًا على الحكومة لمجاراته فيما يريد بخصوص بنك آسيا، ويرغب في أن ترتكب هي الأخرى جريمة قانونية واضحة.
حسنًا، لماذا يفعل أردوغان هذا؟ الإجابة على هذا السؤال واضحة وصريحة، غير أنه يبدو أن رئيس الجمهورية لديه حسابات أخرى، ألا توجَّه أصابع الاتهام إلى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والشخصيات المسؤولة عن الملف الاقتصادي في حكومته بشأن أي موضوع يعتبر جريمة من الناحية القانونية، وإن تعرضوا للانتقادات بشأن عدد من قراراتهم السياسية. أي أن أسماء هؤلاء لا تذكَر أبدًا عند ذكر أي ادعاء سواء بشأن ملف الفساد والرشوة أو الكواليس السياسية، ولا يقومون بأعمال يمكن تجريمها بموجب قوانين الجمهورية التركية، فرئيس الجمهورية يمارس ضغوطًا على الحكومة لإجبارها على ارتكاب جريمة واضحة بحق بنك آسيا. ولماذا يرغب رئيس جمهورية في أن ترتكب حكومة جريمة؟
وهل بإمكانكم توضيح هذا الأمر من خلال الحسابات السياسية فقط؟ أم يجب أن يرتكبوا جريمة حتى يدافعوا بعد ذلك عن المجرمين بكل صدق وإخلاص؟
صحيفة” زمان” التركية
18/9/2014