بقلم: محمد كاميش
إن كل ما نعيشه في تركيا الآن، ليس إلا بداية انحدار الدولة وانهيارها، حيث نشهد تعطيلًا للقانون والعدل وتقاليد الدولة وتركًا لكل شيء بيد عصبة واحدة، فضلًا عن الإجراءات التي لم نعشها حتى أيام الانقلابات العسكرية، ويبدو أن هذه المرحلة لن تجلب أشياء طيبة لتركيا وشعبها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نشهد في الوقت الراهن حصول مجموعة ضيقة من رجال الأعمال على جميع المناقصات والعطاءات الكبيرة، حيث لا يلعب قانون المناقصات أو مبدأ الشفافية أي دور في اختيار الفائز بالمناقصة، الأمر الذي يقود تركيا نحو كارثة محققة.[/box][/one_third]لقد شهدنا قبل يومين حادثة أليمة راح ضحيتها 10 أشخاص جراء سقوط مصعد في برجٍ قيد الإنشاء مكون من 42 طابقاً، وشهدنا قبل ذلك واقعة مصرع أكثر من 300 عامل في حريق بمنجم فحم في مقاطعة سوما التابعة لمحافظة مانيسا غرب تركيا، وليس كل ذلك سوى أصداء للمشاكل العديدة التي يُسَبِّبُها منطق “هل أنت من حارتنا ؟” لكي تكون من الفئة المتمتعة بالامتيازات، وغير الخاضعة للمراقبة بطبيعة الحال. في تركيا، يُصدر شخص واحد القرارات، دون مراعاة لمطابقة هذه القرارات للقانون وأسس العدل وتقاليد الدولة.
نشهد في الوقت الراهن حصول مجموعة ضيقة من رجال الأعمال على جميع المناقصات والعطاءات الكبيرة، حيث لا يلعب قانون المناقصات أو مبدأ الشفافية أي دور في اختيار الفائز بالمناقصة، الأمر الذي يقود تركيا نحو كارثة محققة، أما أكبر داعٍ لهذه الكارثة فهو عدم تطبيق الإجراءات الرقابية الحكومية على الشركات المقربة من الحزب الحاكم، وربما سيتسبب هذا التسيّب وعدم المراقبة والمعاملة التفضيلية في زيادة عدد الحوادث التي نشهدها، لا قدر الله، وعلينا ألا ننسى أن من أبرز المتطلبات الأساسية للدولة هو إخضاع جميع الشركات ورجال الأعمال للمراقبة في الإطار الذي تحدده القوانين.
على أن الخطر الأكبر الذي تواجهه تركيا في هذه المرحلة العصيبة هو انعدام الأمن تقريبًا في المدن، في الوقت الذي تشهد المنطقة أحداثًا جسامًا، ولا يجري تحديد هوية من يدخل من الحدود السورية – التركية ومن يخرج منها، لقد عُزل رجال الشرطة المدربون، الذين قصموا ظهر الإرهاب وجعلوا من المدن أماكن آمنة في السنوات العشر الأخيرة، من مناصبهم لأسباب واهية وغير عقلانية، وفي ظل مرحلة يستعد فيها العالم لشنّ حرب على تنظيم داعش، وخلال فترة يعرف فيها الجميع أن الكثير من الإرهابيين يدخلون المدن التركية ويخرجون منها كيفما يشاءوون، هل يمكن لأحد أن يفسر لنا بنية حسنة أسباب سقوط الجدار الأمني لتركيا؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]على الرغم من وقوع تركيا في وسط حرب كبيرة، فإن الذين يديرون الدولة تركوا كل شيء وبدؤوا بمحاربة طواحين الهواء، وعمدوا إلى إهدار جميع طاقات الدولة في سبيل هذه الخزعبلات.[/box][/one_third]لا يمكن اليوم تقريبًا محاكمة أية شركة مقربة من الحزب الحاكم في تركيا أو معاقبتها أو إخضاعها للرقابة جراء أية تهمة كانت، ويتسبب التسيّب والمحاباة والمحسوبية في وقوع حوادث العمل الكبيرة، كما رأينا في منجم سوما قبل أشهر قليلة. من الممكن إبداء تساهل إزاء هذه الحوادث والتغاضي عنها إلى درجة ما، لكن ماذا عن أمن المدن والمحافظات؟ فلقد تحولت المدن إلى ما يشبه ملاجئ المافيا والعصابات الإجرامية، في حين أن الأهم من ذلك هو أن عددًا من المدن في تركيا أصبحت هدفًا واضحًا لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، لا سيما في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة حاليًا، وقد تعرضت جميع الكوادر الأمنية ورجال الشرطة الناجحة التي تستطيع مكافحة هذه العناصر الإرهابية، إما للنفي أو الاعتقال أو العزل من مناصبها، هذا فضلًا عن أن هذه الإجراءات تمت ضد هذه الكوادر من خلال حجج غير موضوعية لم تنص عليها القوانين.
على الرغم من وقوع تركيا في وسط حرب كبيرة، فإن الذين يديرون الدولة تركوا كل شيء وبدؤوا بمحاربة طواحين الهواء، وعمدوا إلى إهدار جميع طاقات الدولة في سبيل هذه الخزعبلات.
لم تكن تركيا منذ تأسيسها قد تعرضت لخطر كبير كهذا في أيام نشهد خلالها إعادة رسم جميع الخرائط في المنطقة، فهل أنتم مدركون حجم الخطر؟