بقلم: علي أرسلان
نشرت 9 صحف يسيطر عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة الماضي أخبارًا في عناوينها الرئيسية، ذات مضمون واحد يتحدث عن طلب الإدارة التركية من نظيرتها الأمريكية إعادة الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الأستاذ فتح الله كولن، ولقد بدأت واشنطن تشعر بالملل بسبب هذا النوع من الأخبار.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن مساعي أردوغان وفريقه المعاون لإشراك الولايات المتحدة في قضية إدانة كولن دون محاكمة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي ملف اتهامات بحقه، لا تجدي في شيئ سوى الإضرار باعتبار أنقرة أكثر، بعدما انخفض مستوى الديمقراطية لديها في الآونة الأخيرة إلى ما دون الصفر، ذلك أن الولايات المتحدة لا تمتلك نظامًا قانونيًا يخدم شخصاً بعينه، بعد أن فرَّغ من مضمونه.[/box][/one_third]وسبب هذا الشعور، بطبيعة الحال، ليس دفاع الإدارة الأمريكية عن كولن بشكل شخصي أو عداوتها تجاه أردوغان، لكن السبب الرئيسي لهذا الشعور هو محاولة أنقرة إشراك الولايات المتحدة، وهي دولة تحترم القوانين، في عمليات مخالفة للقانون تجري في تركيا، وفي مساعي الحكومة التركية إلى تحويل العلاقات الإستراتيجية بين البلدين إلى أداة تستغلها في سياستها الداخلية.
وكان الأمريكان قد بعثوا، سواء عبر القنوات الرسمية أو الإعلامية، إلى تركيا رسائل مفادها: “لا تقحمونا في هذه الأمور”، وعندما حوّر أردوغان مضمون لقائه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في فبراير / شباط الماضي وزعم أن هذا الأخير أعطى الضوء الأخضر لتسليم كولن، سارع البيت الأبيض إلى تكذيب تصريحات أردوغان، وهي الواقعة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين التي تكذَّب فيها تصريحات رئيس وزراء تركيا من جانب البيت الأبيض.
وكانت صحيفة” نيويورك تايمز”، المعروفة بقربها من البيت الأبيض وتأثيرها عليه، كتبت في صدر صفحتها الأولى تطالب بضرورة تولي أردوغان حل مشاكله وصراعاته السياسية، داعية واشنطن إلى عدم الانصياع لطلباته بإعادة كولن، غير أن كل هذه التطورات لم تمنع أردوغان ورفاقه من الاستمرار في محاولاتهم لتغيير الأوضاع.
إن مساعي أردوغان وفريقه المعاون لإشراك الولايات المتحدة في قضية إدانة كولن دون محاكمة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي ملف اتهامات بحقه، لا تجدي في شيئ سوى الإضرار باعتبار أنقرة أكثر، بعدما انخفض مستوى الديمقراطية لديها في الآونة الأخيرة إلى ما دون الصفر، ذلك أن الولايات المتحدة لا تمتلك نظامًا قانونيًا يخدم شخصاً بعينه، بعد أن فرَّغ من مضمونه.
يمتلك كولن حق الإقامة الدائمة القانونية في الولايات المتحدة، وبالتالي فهو يمتلك ضمانات دستورية تحميه، ويستطيع الإقامة في الولايات المتحدة كيفما شاء ما لم ينتهك قوانين البلد، وحتى إن حاولت الإدارة الأمريكية، وهو احتمال ضئيل جدًا، أن تحرمه من هذا الحق، بمقدوره البحث عن حقه وإثباته في المحاكم المستقلة، ولا تعتمد هذه المحاكم الأمريكية على قانون “اهرب يا جون اهرب!” مثلما قال النائب العام التركي الذي أصدر قرار اعتقالات لقيادات الأمن الذين كشفوا عن أعمال الفساد والرشوة قائلا لشخص مجهول الهوية في قصر العدالة “اهرب يا إسماعيل”، هذا فضلًا عن أن كولن كان قد رفع دعوى ضد حكومة الرئيس السابق جورج بوش، بعدما تعاطت سلبًا مع طلب الإقامة الذي تقدم به، واستطاع أن يحصل على حقه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن أردوغان يعتبر الممثل الأبرز لإدارة سياسية تسعى للتستر على قضايا الفساد الجادة، وتقلب جهازي الشرطة والقضاء رأسًا على عقب من أجل تحقيق هذا الهدف، وتنتهك أحكام الدستور، وتغلق مواقع الإنترنت بين الحين والآخر، وتهدد حرية الإعلام، وإذا كان العالم الديمقراطي لا يزال يخاطب أردوغان على أنه ممثل تركيا، فهذا لا ينبع من مصادقة هذا العالم على شخصيته أو جديته أو صدقه أو حتى سياساته، بل ينبع من كونه يقود دولة تتمتع بأهمية إستراتيجية بعدما حصل على أغلبية أصوات الشعب التركي، غير أن هذا لا يعني أنه ربما يلقى تجاوبًا لمطالبه المخالفة للاتفاقيات والقانون الدولي.[/box][/one_third]تستثني اتفاقية إعادة المتهمين الموقعة بين واشنطن وأنقرة مَنْ يتعرضون للاتهامات السياسية، وفوق أنه لا يوجد اتهام ودعوى قضائية ظهرت على المستوى القانوني تخص كولن، فالعالم بأسره يعرف يقينًا أن أردوغان وحكومته يتحركون في هذا السياق من خلال دوافع سياسية، وفي هذه الحالة فإن الذين يطالبون الولايات المتحدة بإعادة كولن إلى تركيا إما أنهم لا يعرفون النظام السياسي والقانوني في الولايات المتحدة أبدًا أو أنهم يخدعون الرأي العام الداخلي مع معرفتهم يقينًا أنهم لن يستطيعوا أن يحصلوا على أي شيء من وراء هذه المحاولات.
إن عرض أردوغان هاجسه المتعلق بكولن، حتى خلال قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) ، التي اجتمعت لمناقشة قضايا مصيرية مثل خطر تنظيم الدولة الإسلامية” داعش” والأزمتين السورية والأوكرانية، يعتبر ضربة كبيرة موجهة لاعتبار تركيا واحترامها على مستوى المجتمع الدولي، والأكثر مأساوية من ذلك أن أردوغان حاول تصوير السيد كولن، وهو أحد علماء المسلمين، الذي يشجع على الوسطية والسلام والتسامح والتكامل مع العالم طيلة حياته ما أسهم في كسر حدة الجماعات الإرهابية، على أنه شخص إرهابي، ذلك في الوقت الذي يناقش فيه حلف الناتو والولايات المتحدة طرق مكافحة المنظمات المتطرفة كداعش وغيرها، كما يأتي هذا في وقت تتعرض فيه أنقرة لضغوط بسبب اتهامات بالتعاطي مع بعض الجماعات السنية المتطرفة عن قصد أو عن غير قصد.
إن أردوغان يعتبر الممثل الأبرز لإدارة سياسية تسعى للتستر على قضايا الفساد الجادة، وتقلب جهازي الشرطة والقضاء رأسًا على عقب من أجل تحقيق هذا الهدف، وتنتهك أحكام الدستور، وتغلق مواقع الإنترنت بين الحين والآخر، وتهدد حرية الإعلام، وإذا كان العالم الديمقراطي لا يزال يخاطب أردوغان على أنه ممثل تركيا، فهذا لا ينبع من مصادقة هذا العالم على شخصيته أو جديته أو صدقه أو حتى سياساته، بل ينبع من كونه يقود دولة تتمتع بأهمية إستراتيجية بعدما حصل على أغلبية أصوات الشعب التركي، غير أن هذا لا يعني أنه ربما يلقى تجاوبًا لمطالبه المخالفة للاتفاقيات والقانون الدولي.