بقلم: على بولاج
إن الإجابة على السؤال المطروح، في عنوان هذا المقال، نجدها في سورة” الإنسان”، حيث يقول الله عزل وجل: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا”. (الإنسان: 8-10)
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من المؤسف اليوم أن هناك في العديد من دول العالم، أناس بائسون اضطروا إلى طلب اللجوء في دول أخرى لأسباب قاهرة، لكنهم غير مرغوب فيهم من قبل فئة من إخوانهم المواطنين في تلك الدولة، وتُتتخذ ضدهم مواقف عنصرية وإقصائية، والذي يبعث على الحزن حقًا هو أن هذه المواقف المخجلة موجودة في الدول الإسلامية أيضًا.[/box][/one_third]هذه الآيات توضح السمات البارزة للمؤمنين الذين يبغون رضوان الله، بصدق وإخلاص، إذ أنهم يقدمون الطعام إلى المساكين من ذوي الحاجة، والأيتام من الأطفال، وأسرى الحرب، على الرغم من اشتهائهم له، وذُكر في القرآن الكريم أن حبهم وشهوتهم للطعام نوعان: أحدهما شخص يملك الطعام الذي يحبه ويتلذذ به، والآخر طعامه قليل، وربما يكون طعامه يكفيه فقط بالكاد، وعلى الرغم من ذلك يضحي به لإطعام يتيم ذي مقربةٍ أو مسكين ذي مَتْربةٍ.
ويُفسر المفسرون لفظة “مسكين” بالإنسان ذي الحاجة الذي انقطعت به السبل، وليس ثمة اختلاف هنا بين المسكين إذا ما كان مُسلمًا أو ينتسب إلى ديانة أخرى، إذ تجب مساعدته دون النظر إلى أي اعتبار.
كما يقول بعض العلماء إنه يجب إعطاؤه حصة من الزكاة، وهناك من يقول إن المسكين هو الشخص الذي يجول بحثا عما يلبي احتياجاته، ويقصدون بذلك العاطلين عن العمل أو اللاجئين الذين ابتعدوا عن أوطانهم بسبب احتلال عسكري أو حرب أهلية أو كارثة بيئية أو خوفًا من المجازر أو قمع سياسي، إلخ… وأيًّا كان دين أو مذهب أو عرق هؤلاء المساكين، يتعين علينا أن نقدم لهم المساعدة، وإن لزم الأمر أن نعطيهم الخبز الذي في أيدينا، والذي نحن بحاجة إليه، ليسدوا جوعهم.
أما “اليتيم” فيتضح من قوله عز وجل أن المقصود به من مات أحد أبويه، وحثّ القرآن الكريم على وجوب العناية بالأيتام في مواضع كثيرة بأحكام صارمة، أما “الأسير” فهو المحارب الذي يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ، فيما ذهب ابن عباس إلى أن المقصود بالأسير هنا هو “المشرك”، والواقع أنه لا يصح أن يكون مسلم أسيراً لمسلم آخر، وإذا ما نظرنا إلى الظروف المجتمعية والتاريخية التي نزلت فيها الآية الكريمة، نتفهم أن الأسير هو الشخص غير المسلم.
ومن المؤسف اليوم أن هناك في العديد من دول العالم، أناس بائسون اضطروا إلى طلب اللجوء في دول أخرى لأسباب قاهرة، لكنهم غير مرغوب فيهم من قبل فئة من إخوانهم المواطنين في تلك الدولة، وتُتتخذ ضدهم مواقف عنصرية وإقصائية، والذي يبعث على الحزن حقًا هو أن هذه المواقف المخجلة موجودة في الدول الإسلامية أيضًا، وفي هذا الصدد يقول الإمام قتادة في تفسيره إن المسلمين أحسنوا المعاملة تجاه الأسرى في الوقت الذي نزلت فيه الآيات، وتقاسموا معهم الخبز إذا تطلب منهم الأمر ذلك.
ويقول بعض العلماء من الصحابة والتابعين إن الأسير هو الشخص المحبوس لسبب وجيه أو شرعي، ومن وجهة نظري أن هذا الرأي هو المعقول بين الآراء الأخرى، لأنه إذا كان أسير الحرب عبدًا فهذا يعني أنه يعيش بالفعل داخل المجتمع، ولكن إذا ارتكب جريمة وأُودع الحبس، فهذا موقف آخر، وفي حال تقبلنا لهذا الرأي أيًّا كان الدين الذي ينتمي إليه وأيًّا كانت الجريمة التي ارتكبها وحبس عنها، فعندئذ يدخل السجناء ضمن مفهوم الأسرى.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا ما قدّم المسلمون من ذوي العقول النيرة الناضجة الإعانات والنفقات للمساكين واليتامى والأسرى، فعليهم ألا يحسبوا ما قدموه إليهم، ولتكن غايتهم رضوان الله عز وجل، وعليهم ألا يترقبوا منهم تطلعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.[/box][/one_third]إذا ما أطعمنا هؤلاء الثلاثة (المسكين واليتيم والأسير) وقدمنا لهم الإعانات، يجب أن نضع في الاعتبار أن نقدم لهم أطيب الطعام وأجود ما لدينا، ويحث الله تعالى على ذلك: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ” (البقرة: 267) .
وعن ضرورة الإنفاق مما نحب، يقول عز شأنه: “لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (آل عمران: 92).
وإذا ما قدّم المسلمون من ذوي العقول النيرة الناضجة مثل هذه الإعانات والنفقات للمساكين واليتامى والأسرى، فعليهم ألا يحسبوا ما قدموه إليهم، ولتكن غايتهم رضوان الله عز وجل، وعليهم ألا يترقبوا منهم تطلعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فمثلا إذا كانوا سياسيين عليهم ألا يحسبوا الأصوات في صناديق الانتخابات. ويقول تعالي: “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ” (البلد:11-17).
وعليهم ألا ينتظروا منهم الشكر على ذلك، وأن يعملوا بمبدأ “اعمل الخير وألقه في البحر” ،لأن الله عز وجل شاهد على أفعالك، وسيكافئك على ذلك في الدنيا أو في الآخرة يوم يمثل الجميع أمامه، ولنعلم جيدًا أننا إذا ما أنفقنا على المحتاجين، فإننا ننفق مما رزقنا الله تعالى به، لكن إذا تصرفنا ببخل ووضعنا أصابعنا في آذاننا حتى لا نسمع صراخ الفقراء والمساكين، فلنخش حساب الآخرة، ولذا فإن الذين يخشون يوم الحشر وحساب الله تعالى عن ذلك، لن يترددوا في الإنفاق على المساكين مما يحبون من الطعام والمال.
وفي الختام، أود التذكير بأنه يجب علينا أن ننظر إلى إخواننا السوريين والتركمان والإيزيديين أو اللاجئين أو المهاجرين الآخرين، بهذه النظرة التي أوضحناها في معرض حديثنا، ونعينهم على ما يواجهون من ظروف قاسية.