بقلم: مصطفى أونال
كنا نتوق منذ زمن طويل إلى المؤتمرات العامة متعددة المرشحين، إذ لم تكن المؤتمرات العامة تختلف عن اجتماعات الكتلة البرلمانية الموسعة، إذ كان الأمر ينتهي عقب الخطاب الطويل للزعيم، ويفقد الحشد الموجود في القاعة بهجته.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نجح كيليتشدارأوغلو في الحفاظ على منصبه، غير أن الحزب لم يعد كحديقة الورد الخالية من الشوك، ولن تكون الأرضية التي ستطأها قدماه صلبة كما كانت في الماضي، وقد كان يرغب في أن يقوي سلطته، لا سيما في سعيه لتصفية الأسماء المعارضة له داخل الحزب، وانعكست هذه الرغبة في خطابه خلال المؤتمر، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن كليتشداراوغلو استطاع الحصول على الدعم القوي من المندوبين.[/box][/one_third]لقد شهد المؤتمر العام الطارئ لحزب الشعب الجمهوري حماسة كبيرة استمرت ليومين متعاقبين، وكانت قاعة المؤتمر حية وحيوية في كل لحظة، ولم يغادر المندوبون أماكنهم حتى آخر دقيقة في الساعتين اللتين استغرقهما الاجتماع.
كانت المنافسة محتدمة على مقعد الرئيس العام للحزب على مدار يومين، وانتقلت المنافسة في اليوم التالي إلى عضوية مجلس الحزب، وجه المرشحان لمنصب رئيس الحزب انتقادات لاذعة وحادة كل منهما للآخر، وعلى الرغم من ذلك، كان هناك حرص على أن تبقى أجواء الاجتماع إيجابية، وكان من الخطأ أن صادفت كلمة الرئيس الحالي للحزب كمال كيليتشدار أوغلو وقت صلاة الجمعة، إذ كان ينبغي أن يقدمها أو يؤخرها.
لم تدهش نتيجة المنافسة أحدًا، فلم تكن ثمة مفاجأة؛ إذ استطاع كليتشداراوغلو أن يحافظ على منصبه كرئيس لحزب الشعب الجمهوري، غير أن رسالةً خرجت من المؤتمر العام للحزب، كان كليتشداراوغلو، الذي لم يحقق ما كان يربو إليه في الانتخابات المحلية والرئاسية الأخيرتين، يهدف لتجديد “الثقة” داخل الحزب، وكان يثق بالمندوبين، ولقد حصل منافسه محرم إينجه على 415 صوتًا، وهو رقم أعلى من التوقعات بكثير، وهناك معنى لهذا الرقم؛ إذ يعتبر إنذارًا وتحذيرًا جادًا لكليتشداراوغلو.
إن رؤساء الأحزاب هم المرشحون الأقرب للفوز في المؤتمرات العامة لانتخاب رئيس جديد للحزب، فالنماذج التي فقدت منصبها قليلة وتكاد تكون منعدمة، كما أن ميزة التواجد في المركز العام للحزب كانت كافية للفوز بالمنصب.
لا شك في أن من المسائل المهمة في هذه الانتخابات توقف الأصوات التي حصل عليها كليتشداراوغلو عند حاجز 740 صوتًا ووصول أصوات إينجه إلى 415 صوتًا، فهذه الأرقام تذكّرني بمؤتمر حزب” الفضيلة” الذي عقد قبل 14 عامًا، وإن كان لا يوجد تشابه بين المؤتمرين، وقد كان عبد الله جول قد حصل على نسبة أصوات مرتفعة بالرغم من خسارته أمام رجائي كوتان، ولا شك في أن حزب الشعب الجمهوري يعيش فترة مخاض في الوقت الراهن، وما شاهدناه في مؤتمره العام هو نتيجة لهذه المسألة.
نجح كيليتشدارأوغلو في الحفاظ على منصبه، غير أن الحزب لم يعد كحديقة الورد الخالية من الشوك، ولن تكون الأرضية التي ستطأها قدماه صلبة كما كانت في الماضي، وقد كان يرغب في أن يقوي سلطته، لا سيما في سعيه لتصفية الأسماء المعارضة له داخل الحزب، وانعكست هذه الرغبة في خطابه خلال المؤتمر، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن كليتشداراوغلو استطاع الحصول على الدعم القوي من المندوبين.
لماذا نزف كليتشداراوغلو الدماء في ذلك المؤتمر؟ لأن حزب الشعب الجمهوري لم يستطع أن يحقق ما كان يصبو إليه في آخر استحقاقين انتخابيين، وكانت نتائج الانتخابات المحلية والرئاسية بعيدة كل البعد عن طمأنة قاعدة الحزب، وفي الواقع، كان كليتشداراوغلو قد أقدم على تغييرات جذرية للغاية؛ إذ غيّر الموقف الأيديولوجي المتحجر الذي يقف كأكبر حجر عثرة أمام انفتاح الحزب على الجماهير العريضة، ولم يدعم هذا بالقول فقط، بل ترجمه في السياسات وفي اختيار الكوادر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]شهدت انتخابات مجلس الحزب حماسة شبيهة بتلك التي رأيناها في منافسات انتخابات رئاسة الحزب، فبالإضافة إلى قائمتي كليتشداراوغلو ومنافسه إينجه، رُشحت مئات الأسماء، وعرض على المندوبين خيارات ثرية للغاية، وهو ما لم نعتد رؤيته في مؤتمرات الأحزاب.[/box][/one_third]رفع كليتشداراوغلو تحفظ الحزب في قضية الحجاب، فلم يعترض على دخول المحجبات الجامعات أولًا، ثم مبنى البرلمان للنائبات المحجبات، وفتح أبواب الحزب أمام عدد من الأسماء من السياسيين المنتسبين إلى أحزاب يمين الوسط، ومؤخرًا انتقل محمد بكار أوغلو إلى الحزب، بعد أن كان سبق له أن مارس العمل السياسي ضمن صفوف حزب الرفاه، وترشح في الانتخابات المحلية الأخيرة على قائمة حزب السعادة ذي التوجه الإسلامي، وقدّم الحزب منصور ياواش، المنتمي إلى حزب الحركة القومية اليميني، كمرشح لرئاسة بلدية أنقرة الكبرى في الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية مارس / آذار الماضي.
كان من الصعب أن يمرّ شخص ينتمي إلى حزب الحركة القومية من أمام مبنى حزب الشعب الجمهوري، لاختلاف الأيديولوجيات بين الحزبين، ناهيك عن أن يرشح هذا الأخير شخصًا ينتمي إلى الحركة القومية، والأمر نفسه ينطبق على اتفاق الحزبين على ترشيح الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فلقد تحرك الحزبان في المسار نفسه، ومن الواضح أن كليتشداراوغلو يبحث عن طرق جديدة ليجربها في سبيل النجاح في الانتخابات، غير أنه لم يحصل على نتيجة تريحه وتريح حزبه، وعندما لم يأت النجاح، كان من المستحيل ألا يناقش أعضاء الحزب هذه التغييرات الراديكالية، أضف إلى ذلك أن هناك حسابات قديمة لم تقفَل بعد، وعندما اتحدت كل هذه العناصر، ظهر هذا المشهد الذي تابعناه .
شهدت انتخابات مجلس الحزب حماسة شبيهة بتلك التي رأيناها في منافسات انتخابات رئاسة الحزب، فبالإضافة إلى قائمتي كليتشداراوغلو ومنافسه إينجه، رُشحت مئات الأسماء، وعرض على المندوبين خيارات ثرية للغاية، وهو ما لم نعتد رؤيته في مؤتمرات الأحزاب.
نظم حزب الشعب الجمهوري مؤتمره العام الطارئ بعد استحقاقين انتخابيين، فيما يلوح في الأفق استحقاق جديد، إذ ستجري الانتخابات البرلمانية بعد 8 أشهر، وكانت أرضية المؤتمر فرصة جيدة من أجل تحسين آمال المستقبل بالمحاسبة عن الانتخابات الماضية، ومناقشة مدى النجاح في تقييم الوضع، وكانت الرسائل محدودة في قاعة المؤتمر، ولا شك في أن كليتشدار اوغلو لم يعد يملك أعذارا، وانتخابات العام المقبل هي انتخابات مصيرية بالنسبة له، وإن خسر فيها سيكون من الصعب جدًا أن يحافظ على منصبه.
لا ريب في أن السياسة في تركيا تعيش فترة مخاض، حيث أنها تحمل بداخلها تطورات جديدة سواء بالنسبة للحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة على حد سواء.