بقلم: ممتاز أرتركونه
يتعرض القانون في تركيا لعملية قتل على مرأى ومسمع من الجميع، وكأنه شيء بديهي، وإن التستر على ادعاءات السرقة والفساد، التي حكم عليها الضمير العام، ليس عبارة عن الفرار من العقاب فقط، بل هو في الوقت نفسه تحدٍ يقول “من الجريء فيكم.. ليأتي ويحاسبنا؟!”.
ما حدث واضح للعيان، كان القضاء يدير تحقيقًا حول ادعاءات فساد سياسي كبير شملت عددًا من المسؤولين بالدولة كان على رأسهم “رئيس الوزراء السابق”، وهو نفسه رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، فبادرت السلطة الحاكمة، مستغلة أغلبيتها بالبرلمان، إلى إدخال التعديلات على القوانين، وشكّلت بواسطة هذه التعديلات أنظمة قضائية تهدف للحيلولة دون إتمام التحقيقات في قضية الفساد، وتوسعت التحالفات الجديدة داخل الدولة، حيث أطلق سراح المتهمين المعتقلين في قضيتي أرجينيكون والمطرقة الانقلابيتين، وتوسعت الجبهة المناهضة لتحقيقات الفساد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان القضاء يدير تحقيقًا حول ادعاءات فساد سياسي كبير شملت عددًا من المسؤولين بالدولة كان على رأسهم “رئيس الوزراء السابق”، وهو نفسه رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، فبادرت السلطة الحاكمة، مستغلة أغلبيتها بالبرلمان، إلى إدخال التعديلات على القوانين، وشكّلت بواسطة هذه التعديلات أنظمة قضائية تهدف للحيلولة دون إتمام التحقيقات في قضية الفساد.[/box][/one_third]كما سُخرت إمكانيات الإعلام الموالي للحكومة، الذي يعتبر سببًا مباشرًا لإطلاق هذه التحقيقات في مزاعم الفساد، لتنفيذ مهام تغيير الوعي لدى الرأي العام، وهُدد المجتمع بورقة الاستقرار السياسي – الاقتصادي، وأُجبر الشعب التركي على الاختيار، في الانتخابات المحلية والرئاسية السابقتين، بين الرضا بالفساد والرشوة أو الأزمة الاقتصادية. واغتصبت السلطة التنفيذية السيف الذي تمسك به العدالة، ووضعته في إحدى كفتي ميزان العدل حتى انقلبت جميع الموازين والمعايير رأسًا على عقب.
والنتيجة: يتعرض رجال الشرطة، المنوط بهم إدارة التحقيقات، لحملات اعتقالات واسعة، أما التحقيقات فيجري إنهاؤها بواسطة نظام قضائي قاصر تشكَّل بالقانون، وتبدو وتيرة الأحداث وكأنها نصر كامل حققه “رئيس الوزراء السابق”، فهل هي حقًا كذلك؟
لقد خاض أردوغان معركة كاملة ضد النظام القانوني بالدولة مستغلًا جميع الأوراق التي يمتلكها، ولم يبرِّئه القضاء من ادعاءات الفساد والسرقة، ولكنه قلب النظام القانوني في تركيا رأسًا على عقب، وجعل القضاء لا يقدر على التحقيق في هذه المزاعم، وبما أنه لم تتم تبرئته وأصبح النظام القانوني في الدولة لا يعمل كما يجب، فإنه لا منتصر في هذه المعركة، أما المهزوم فهو نحن الذين سنعاني الأمرّين في البحث عن حقوقنا في ظل نظام قانوني مدمَّر، ولم يعد هناك أي نظام قانوني نستطيع أن نرجع إليه ونحن مطمئنون. حسنًا، ماذا يوجد حاليًا؟
هناك سعة وحدود للحرب السياسية الموجهة نحو النظام القانوني في تركيا، فعليكم أولًا أن تحسبوا احتمالية أن ترتد الطلقات التي تطلقونها من السلاح الذي بأيديكم، وفي الوقت الذي تغلقون فيه التحقيق في قضية الفساد وتدمرون جميع الأدلة، يكون السلاح الذي أطلقتم منه الرصاص قد عاد وارتد عليكم، لا سيما وأن الأدلة ستُحفَظ بسبب الدعوى المرفوعة ضد الشرطيين الذين أداروا التحقيقات بتهمة “تدبير انقلاب ضد الحكومة”، وستتحول قضية “الانقلاب” إلى وتيرة تُحفَظ بها أدلة قضية الفساد.
يجب أن يذكر التاريخ امتناع أركان الحكومة، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان، عن المشاركة في مراسم افتتاح السنة القضائية الجديدة على أنه شرارة الهجوم المباشر الموجه لأعضاء السلك القضائي الذين سيتعرضون لضغوط في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء التي ستجري يوم 12 أكتوبر / تشرين الأول المقبل، وقد كشف رئيس المحكمة العليا النقاب عن هذا المخطط بشكل مستتر في إطار من اللياقة، ولا يمكن لتدخل الحكومة في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء أن يؤتي ثمارًا، وإن لم يجرِ تشكيل هيئة على النحو المرغوب فيه، ستبدأ عملية تغيير القانون، أي أن النظام القانوني في تركيا سيتعرض لسلسلة جديدة من الجرائم، وهناك عائقان: فإذا تم تعطيل عمل المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر الهيئة التي تضمن المحاكمة العادلة، والذي يُعدّ بدوره أهم ما يعتمد عليه مبدأ استقلال القضاء، فإن المحكمة الدستورية العليا ستدافع عن هذا الضمان.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن معركة القانون تنتهي على المدى القريب بانتصار السياسة، وعلى المدى البعيد بانتصار القانون، ولقد انتهى المدى القريب، ونحن الآن نعيش المراحل الأولى للمدى البعيد.[/box][/one_third]والعائق الثاني هو أحزاب المعارضة: فإذا أعلنت الحكومة الحرب على القضاء مستغلة القوة التي حصلت عليها من صناديق الانتخابات، فإن المعارضة سيتعين عليها أن تتخذ موقعها في ميدان المعركة مستغلة القوة التي حصلت عليها من صناديق الانتخابات، وهناك الشيئ الكثير الذي تستطيع أحزاب المعارضة الثلاث فعله تحت قبة البرلمان للذود عن القانون العالمي وضمان المحاكمات العادلة والاستقرار.
إن هذا القدر من غياب القانون على مرأى ومسمع من الجميع سيجبر المجتمع، الذي أُجبر قبل ذلك على الاختيار بين عدم الاستقرار والفساد في الانتخابات الأخيرة، على ترجيحٍ مختلفٍ تمامًا هذه المرة.
يقول نائب رئيس الوزراء علي باباجان إنه لا يمكن تحقيق تقدم اقتصادي في غياب دولة القانون، ولا شك في أن هذه العبارة التي قالها باباجان تحمل أهمية كبيرة، ذلك أنه – أي باباجان – يعتبر تقريبًا الضمان الوحيد للاستقرار الاقتصادي داخل الحكومة، وإذا كان قد قال مقولة أخرى: “إن استقلال القضاء والفصل بين السلطات هو الأساس”، لا سيما في وقت يستعد فيه أردوغان لشنّ هجوم شامل على القضاء، فيمكننا أن نتمنى أن تخرج إرادة تدافع عن القانون العالمي من داخل حكومة حزب العدالة والتنمية.
إن معركة القانون تنتهي على المدى القريب بانتصار السياسة، وعلى المدى البعيد بانتصار القانون، ولقد انتهى المدى القريب، ونحن الآن نعيش المراحل الأولى للمدى البعيد.