بقلم: شاهين ألباي
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الإدارة الأوتوقراطية تستغل أكذوبة “الكيان الموازي”، التي ابتدعها الانقلابيون من أجل تنزيه وتبرئة أنفسهم، كحجة للتعتيم على مجريات التحقيق في قضية الفساد، فالهدف الرئيس لهذه الأكذوبة هو تسخير مبدأي الفصل بين السلطات ودولة القانون ليكونا تحت تصرف الإدارة الأوتوقراطية، وربط القضاء والدولة بالكامل برجل واحد.[/box][/one_third]ليس لدي أدنى شك في أن مسؤولي قطاعي القضاء والأمن، ممن تعتبر نقطتهم المشتركة الوحيدة هي ارتباطهم بالقانون ووظائفهم، هم الذين أطلقوا فتيل التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة الكبرى التي استيقظت تركيا على وقعها يوم 17 ديسمبر / كانون الأول 2013.
إن الإدارة الأوتوقراطية (إدارة الرجل الأوحد) تستغل أكذوبة “الكيان الموازي” (حركة الخدمة)، التي ابتدعها الانقلابيون من أجل تنزيه وتبرئة أنفسهم، كحجة للتعتيم على مجريات التحقيق في قضية الفساد، فالهدف الرئيس لهذه الأكذوبة هو تسخير مبدأي الفصل بين السلطات ودولة القانون ليكونا تحت تصرف الإدارة الأوتوقراطية، وربط القضاء والدولة بالكامل برجل واحد.
وفي اليوم نفسه الذي قال فيه رئيس الوزراء الجديد أحمد داود أوغلو: “لن نتستر على أي فساد”، صدر قرار بوقف التحقيق في قضية الفساد التي كُشف عنها يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبدأت حملة اعتقالات في صفوف قيادات الشرطة بهدف إخافتهم.
أما الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان فيستطيع وصف مجلس رؤساء المحكمة العليا بـ” الحشاشين”، ولا يتورّع عن تهديد القضاء بتنظيم عمليات ضده. ويقول ما يلي: “ستأتي المزيد من موجات الاعتقالات، وستحدث أشياء مماثلة في الوزارات أيضًا، وسيعاد تشكيل مجلس مراقبة الدولة. لذلك أولي أهمية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء…” (جريدة أكشام، 3/9/2014).
لقد حشدت حكومة حزب العدالة والتنمية إمكانياتها من أجل تعيين القضاة المناصرين لها، الذين تجمعوا تحت غطاء “منبر اتحاد القضاء”، في الانتخابات التي سيشهدها المجلس الأعلى للقضاء يوم 12 أكتوبر / تشرين الأول المقبل. انظروا ماذا يفعلون:
“سخرت الحكومة جميع إمكانيات الدولة لدعم منبر اتحاد القضاء، فهم لم يتركوا شيئًا إلا وفعلوه، وقد انطلقت الحافلات المملوءة بأعضاء القضاء من أمام النيابات العامة للمشاركة في المؤتمر التعريفي بقائمة المنبر الذي عقد يوم الأحد في أنقرة، تحت حماية فرقة من الشرطة الرسمية للدولة، وحضر الاجتماع موظفون رفيعو المستوى بوزارة العدل والنواب العامون في إسطنبول وأنقرة لإظهار مساندتهم للمنبر، وأصبحت المشاركة في المؤتمرات الإقليمية التعريفية بالمنبر “إجبارية”. فضلًا عن تلبية جميع احتياجات المرشحين على قائمة المنبر، وتقدم إدارات المحافظات الأطعمة لهم. كما تخرج فرق من وزارة العدل في رحلات إلى المحافظات تحت مسمى “ندوات” بهدف تنظيم شؤون الانتخابات لصالح المنبر. ويتلقى النواب العامون المعينون حديثًا مكالمات تليفونية من الوزارة للتهديد تقول “إن لم نفز في الانتخابات ستنقلون من وظائفكم”. (أوتكو تشاكر أوزير، صحيفة جمهوريت، 3/9/2014)
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن مستوى تطور تركيا، وخبرتها في دولة القانون والديمقراطية الممتدة منذ قرنين من الزمان، واقتصادها المعولم، وحقوق الإنسان وفكرة الحرية الواسعة، كل ذلك لن يسمح بتأسيس الأوتوقراطية في البلاد، فتركيا التي كبرت ونمت على هذه العادات لايمكن إدارتها بالأوتوقراطية، هذا فضلًا عن أن إدارة الرجل الواحد التعسفية والاستبدادية والفاسدة، ستنهار إن عاجلًا أم آجلًا.[/box][/one_third]لكن تلك المساعي الرامية إلى إخضاع القضاء للسلطة محكوم عليها بالفشل، وقد شهدنا في الأيام الأخيرة إشارات كثيرة على هذا؛ إذ قدم رئيس المحكمة العليا علي ألكان تحذيرات تاريخية في هذا الصدد، خلال كلمة ألقاها على هامش مراسم افتتاح السنة القضائية، حيث قال: “نشعر بالقلق إزاء المساعي الرامية لتشكيل ضغط على الهيئات القضائية بغية إخضاع القضاء للأهواء، وكذلك محاولات التدخل في الانتخابات التي سيجريها جهاز القضاء…”، ثم خاطب زملاءه قائلًا: “لا تطمعوا أو تتنازلوا من أجل أي منصب أو وظيفة، واصمدوا ولا تحنوا رؤوسكم…”.
أما رئيس المحكمة الدستورية العليا هاشم كيليتش، الذي تحدث خلال مراسم افتتاح السنة القضائية، فأشار إلى أكذوبة “الكيان الموازي” بقوله: “إن اتهام أشخاص دون تقديم وثائق ومستندات يعتبر خطأ كبيرًا. تأتينا عرائض غير موقعة كثيرة. ويجري تصنيف أشخاص حسب انتماءاتهم بسبب هذا الاتهام أو ذاك، ولقد جاءتني كذلك قائمة من هذه القوائم، فألقيتها ولم أنظر إليها…”
وكان رئيس أركان الجيش الجنرال نجدت أوزَل قد صرح ردًا على ادعاء ضبط 40 جنرالًا ينتمون لـ”الكيان الموازي”، الذي تناقلته وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة، قائلًا: “إن القوات المسلحة تتخذ الإجراءات وفق الوثائق والمستندات التي تحصل عليها، ولا يمكننا أبدًا أن نشرع في أي إجراءات قانونية اعتمادًا على بلاغات غير موقعة. ولقد طلبنا من جهاز الاستخبارات ومديرية الأمن تزويدنا بوثائق حول الموضوع، لكن أحدًا لم يرد علينا بشيء…”.
وأريد أن أعيد ذكر آخر نقطة لا أحمل في قلبي ذرة شك بشأنها: إن مستوى تطور تركيا، وخبرتها في دولة القانون والديمقراطية الممتدة منذ قرنين من الزمان، واقتصادها المعولم، وحقوق الإنسان وفكرة الحرية الواسعة، كل ذلك لن يسمح بتأسيس الأوتوقراطية في البلاد، فتركيا التي كبرت ونمت على هذه العادات لايمكن إدارتها بالأوتوقراطية، هذا فضلًا عن أن إدارة الرجل الواحد التعسفية والاستبدادية والفاسدة، ستنهار إن عاجلًا أم آجلًا، وستنضمّ تركيا إلى ركب الدول الديمقراطية الحرة والتعددية الحقة إذا استطاعت قطع الطريق أمام الأوتوقراطية بالأساليب الديمقراطية.