بقلم: محمد كاميش
لم يتورّع رئيس الوزراء التركي السابق رئيس الجمهورية الجديد رجب طيب أردوغان، عن توجيه الاتهامات لحركة “الخدمة” في كل مؤتمر جماهيري حضره على مدار الأشهر الماضية، عن ترديد عبارات من قبيل “لقد تنصتوا علينا، لقد تنصتوا على مكالماتي الهاتفية مع نجلي ووزراء حكومتي”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد حملت فئة كبيرة من فئات المجتمع التركي حركة الخدمة مسؤولية نشر التسجيلات الصوتية على شبكة الإنترنت، ونجحت عملية تغيير الوعي هذه كثيرًا في الوصول إلى مرادها بانعكاسها على صناديق الانتخابات المحلية التي أجريت يوم 30 مارس/ آذار الماضي.[/box][/one_third]يستغل أردوغان أي فرصة للقاء الجماهير لكي يعلن أن عمليات التنصت هذه تهدد أمن الدولة، وهو بذلك قد اتهم فئة كبيرة من فئات المجتمع بتهمة عظيمة. ولم يكتفِ بذلك فقط، بل اتهم حركة الخدمة بأقسى أنواع الاتهامات وأشنعها على الإطلاق، فالأشخاص الذين لم يسمعوا طيلة حياتهم عن الدولة والأمن والتنصت والتشفير يتعرَّضون لطرح أسئلة حولها في كل مكان حلّوا فيه منذ شهور. وتوجَّه إليهم الاتهامات من قبيل: “حسنًا نفهم كل شيء، نفهم الفساد والسرقة واستغلال المال العام، لكن ما عمليات التنصت هذه يا صديقي؟ لماذا تتنصتون على الدولة؟”
لقد كرر أعضاء حكومة حزب العدالة والتنمية، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق أردوغان، عبارات: “لقد تنتصوا علينا وعلى هواتفنا المشفرة” كثيرًا في جميع لقاءاتهم الجماهيرية والتلفزيونية حتى صدَّق ملايين المواطنين هذه الادعاءات المفتقِرة إلى الأدلة، وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت وامتلاكهم جميع صلاحيات الدولة، فإنهم لم يظهروا دليلًا واحدًا يبرهن على صدق مزاعمهم.
لقد حملت فئة كبيرة من فئات المجتمع التركي حركة الخدمة مسؤولية نشر التسجيلات الصوتية على شبكة الإنترنت، ونجحت عملية تغيير الوعي هذه كثيرًا في الوصول إلى مرادها بانعكاسها على صناديق الانتخابات المحلية التي أجريت يوم 30 مارس/ آذار الماضي، حتى إن أحد معارفي الذين تحدثتُ معه في إحدى قرى منطقة بحر إيجة غرب تركيا عقب الانتخابات المحلية، قال لي بالحرف الواحد: “لقد أعطى كل شخص في قريتنا، سمع أن هناك عملية تنصت على المؤتمر الذي تناول القضية السورية المتعلقة بالأمن القومي لتركيا، صوته لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات”.
أي أن رئيس الوزراء السابق وأعضاء حكومته وصلوا إلى مرادهم بعدما صالوا وجالوا وهم يؤكّدون على حساسيتهم إزاء عمليات التنصت المزعومة، ولم يصدر منهم أي رد فعل على تصريحات المسؤولين الألمان التي قالوا فيها إنهم تنصتوا على تركيا وتابعوها عن كثب، ولا يمكن لأحد أن يفهم صمتهم أمام هذه التصريحات الخطيرة. حتى إن وزير الداخلية أفكان علاء، الذي يتحدى أي شخص يقف أمامه ويسعى للنيل منه، قال في تصريح غريب: “تنصت ألمانيا علينا أمر طبيعي”، مع أن أي عاقل لن يستسيغ تصريحًا كهذا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] علينا أن نقرأ جيدًا ونفهم كيف أن الذين هاجموا بسيوفهم أولئك الذين لا يعتمدون على شيء سوى الحق والقانون، أصابهم الخرس الفوري عندما أعلنت ألمانيا أنها تتنصت عليهم، ذلك أن هذا الأمر يعني تسليم تركيا، إذا جاز التعبير، وما يظهر للعيان هو أن حامي تركيا قد خارت قواه بعدما صمتت أنقرة في مواجهة ما فعلته برلين.[/box][/one_third]في الوقت الذي تثير فيه مثل هذه التصريحات أزمات دبلوماسية كبيرة بين أي دولتين في الظروف العادية، لماذا لم تكترث تركيا بالتصريحات الألمانية وبدأت تنتظر أن يمر الوقت وتُنسى الفضيحة؟ لماذا لم تستقصِ مدى صحة هذه المزاعم الخطيرة؟ وإذا كنا لا نستطيع أن نضع مفهومًا لهذه الوضعية، فمن المؤكد أن هذه التصرفات لها مغزى في الأعراف الدبلوماسية.
من الواضح أن تركيا لا تؤيد الاستقصاء والتحقيق حول هذه المسألة كثيرًا، لكن السؤال الذي ينبغي البحث عن إجابة عليه هو: لماذا لا تريد ذلك؟
لهذه المسألة طرف في ألمانيا، ففي الوقت الذي بدأت فيه الأحداث تسخن بعدما اعترفت ألمانيا بالتنصت على تركيا، وضعت برلين قدمها على الفرامل بقرار مفاجئ، ولم تتناول النقاشات هذا الموضوع كثيرًا، حتى أن بعض الصحف الألمانية لم تعد تتحدث عن هذه الأخبار، ولم تعد وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، والتي سعت بشتى الطرق لتحميل جماعة الخدمة مسؤولية التسجيلات الصوتية المنتشرة على الإنترنت، تنبس ببنت شفة حول هذا الأمر، وقد حدث كل هذا أمام أعيننا، لكن لم نستطع أن نتناقش حول الأحداث التي تجري خلف الستار.
علينا أن نقرأ جيدًا ونفهم كيف أن الذين هاجموا بسيوفهم أولئك الذين لا يعتمدون على شيء سوى الحق والقانون، أصابهم الخرس الفوري عندما أعلنت ألمانيا أنها تتنصت عليهم، ذلك أن هذا الأمر يعني تسليم تركيا، إذا جاز التعبير، وما يظهر للعيان هو أن حامي تركيا قد خارت قواه بعدما صمتت أنقرة في مواجهة ما فعلته برلين.
وهناك موضوع آخر يجب أن لا نغفل عنه، ألا وهو ظهورُ أنّ العنوان أو الحساب الذي نشر التسجيلات الصوتية على الإنترنت ليس مملوكًا لحركة الخدمة، على الأقل، وذلك عقب الأحداث والتطورات الأخيرة. ويجب على من يبحثون عن الحق – على الأقل – أن يروا هذه الحقيقة، كما ينبغي لأولئك المدينين بالاعتذار من حركة الخدمة ألا يهملوا ما يقع على عاتقهم من مسؤولية في هذا الصدد.
صحيفة” زمان” التركية